صفقة القرن والجغرافيا السياسية المستحدثة!

أحد, 06/24/2018 - 09:57

حسن مليحات

لقد شكلت اتفاقيات اوسلو التي وقعت في 13/ايلول/1993 تحولا نوعيا في التجربة السياسية الفلسطينية عبر صياغة النظام السياسي من جديد في الضفة الغربية وقطاع غزة  وتم تجسيد ذلك من خلال انشاء السلطة الفلسطينية في ربيع العام 1994 ، لتصبح حركة فتح حزب السلطة بعد ان كانت منذ عام 1969 حزب الثورة خارج فلسطين ، الأمر الذي ادى بدوره الى كسر قاعدة التمثيل السياسي الشامل  الذي تمتعت به منظمة التحرير الفلسطينية حيث اعتبرت منذ عام 1974 الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات ، وفي مقابل ذلك اعتبرت السلطة الفلسطينية احد اهم معالم اتفاقات اوسلو التي رفضتها حركة حماس وقوى فلسطينية اخرى فضلا عن كونها سلطة ناجزة في الضفة وقطاع غزة،من الثابت ان الشعب الفلسطيني عانى منذ عام منذ عام 2007 من تداعيات الانقسام الحاد بين القوى والفصائل المختلفة وبشكل خاص بين حركتي فتح وحماس ، وعلى رغم الحديث المتكرر عن انهاء حالة الانقسام المريب بيد ان المتابع بات على يقين من وجود معوقات اساسية تحول دون ترسيخ مصالحة حقيقية ومن بين تلك المعوقات الضغوطات الخارجية من جهة وغياب القوة الصامتة عن توقيع الاتفاق وبالتالي الشراكة السياسية ومحاولة اصحاب المصالح والامتيازات التي تولدت بفعل حالة الانقسام  الأبقاء على الجغرافيا السياسية المستحدثة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة فضلا عن المصالح الضيقة التي فرضتها التحولات في المشهد العربي وانسداد أفق المفاوضات مع أسرائيل

في خضم هذه الأحداث والتطورات السياسية وازاء حالة التخبط السياسي تأتي زيارة  مسؤول ملف السلام في الأدارة الامريكية جاريد كوشنير وجيسون جرنبيلات الى العاصمة الاردنية عمان في مستهل جولة مكوكية في الشرق الاوسط لبحث الصيغة النهائية لخطة السلام الامريكية المعروفة باسم (صفقة القرن) والتي اعد لها وجهز لها صهر الرئيس الامريكي جاريد كوشنير الذي التقى العاهل الاردني على عكس رغبة الرئيس محمود عباس الذي يرفض صفقة القرن بصيغتها الحالية، وقد اكد الملك اثناء لقائه كوشنير ان للولايات المتحدة دور مهم في اتمام خيار السلام بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي  وقد كانت قضايا الشرق الاوسط مدار بحث بين الطرفين وخاصة الوضع المتردي في قطاع غزة، لقد جاءت الزيارة في الوقت التي تضع فيه واشنطن اللمسات الاخيرة على صفقة القرن التي تهدف الى تصفية القضية الفلسطينية وفي ظل رمادية المشهد السياسي الفلسطيني واستمرار حالة الانقسام على الارض وشيوع حالة من البؤس السياسي وعدم وجود ارادة سياسية حقيقية للنهوض بالوضع السياسي الفلسطيني لكي يرقى لمواجهة المؤامرة الجديدة.

 ورغم ان صفقة القرن لم تعلن حتى هذه اللحظة بشكل رسمي ، بيد ان وسائل اعلام غربية وعربية سربت العديد من تفاصيلها ، حيث قال مسؤولين امريكيون  ان الرئيس الامريكي اوضح بان هذه الخطة ستكون شاملة وتتناول كل القضايا  والحدود واللاجئين حيث تتضمن الخطة  أقامة دولة فلسطينية في غزة واجزاء من اراضي سيناء بمساحة (720)كيلو متر مربع  وذلك بأضافة مستطيل يمتد من رفح حتى حدود مدينة العريش  طوله (24) كيلو متر وعرضه (30) كيلو متر  وتلتزم الدول المانحة بتوفير عشرة مليارات دولار  لاقامة  الدولة الفلسطينية التي ستشمل بنيتها التحتية على مطار  وميناء في غزة ومساكن ومشاريع زراعية وصناعية ومدن جديدة  وتشمل ايضا محادثات سلام اقليمية بين اسرائيل والاقطار العربية وتتخلى عن فكرة حل الدولتين  وتشمل ضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية لاسرائيل  الى جانب الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية ووطن قومي للشعب اليهودي  وهي باختصار تعني صفقة القرن فيما تعنيه بالنسبة للفلسطيين حكم ذاتي ابدي.

فالمساعي الامريكية  والاسرائيلية  ومعها الرجعيات العربية المتخاذلة  في دول الخليج  والتي اصبحت –كعبة الصهاينة – تتأمر على كل ما يمت لفلسطين بصلة  خدمة لبقائها في الحكم امام شعوبها التي يبدو وكأنها قد استقالت من التاريخ والحغرافيا  والكرامة  والعزة بحكم سياسات حكامها  الذي جعلوا منهم في ذيل الاحداث ويقفون على هوامش الامم بفعل تأمرهم  على اقدس قضية في العالم (قضية فلسطين) ، فالمساعي الامريكية ليست اختراع جديد يقوم به ترامب بمباركة مسؤولين عرب ففي وقت سابق نشرت (بي بي سي)  وثائق افرجت عنها الحكومة البريطانية تعود الى العام 1983 تكشف عن قبول زعماء عرب لنقل الفلسطنين الى سيناء وغزة ، فزعماء في دول الخليج العربي يمارسون الضغط على الفلسطينين لاقناعهم بخطة ترامب  التي اعلنت السلطة الفلسطينية رفضها لها  وهو الموقف ذاته التى عبرت عنه قوى واحزاب فلسطينية اخرى بصيغ مختلفة واجمعت كلها على رفض الخطة ودعت لاسقاطها.

 لا شك ان البذرة الملعونة للقفز فوق أي شكل من اشكال القضايا والثوابت الفلسطينية  –وهي كلمة خبيثة  كشجرة خبيثة أجتثت من فوق الارض ما لها من قرار – جرى غرسها في الرياض  اثناء الاحتفال الباهر بما سمي بالشراكة الاستراتيجية  التي باركتها العطاءات والمكارم الملكية  وقد صاغها كوشنير بعبارة الابتعاد عن معضلة انتظار تسوية النزاع الفلسطيني الاسرائيلي من اجل التطبيع العربي مع اسرائيل واحلال السلام في الشرق الاوسط ،وانطلاقا من هذه الرؤية فان تحديد مكانة القضية الفلسطينية يأتي من خلال النظر الى حالة المجابهة بين قوى المقاومة والممانعة من جانب والمشروع الصهيوني من جانب اخر ، وهنا بالتحديد يبذل الحلف الامريكي –الاسرائيلي –الرجعي العربي  جهودا مركزة بهدف تبديد القضية الفلسطينية  ومشاغلة القوى الفلسطينية بالوعود الكاذبة احيانا وبالضغوطات السياسية والمالية والحروب احيانا اخرى ، وايضا يجب استحضار حالة المجابهة العالمية بين المحور الامريكي الاوروبي الذي يستهدف الهيمنة على المنطقة  مدعوما بقوى الرجعية العربية  في المقابل يواجهه المحور الروسي الصيني المدعوم من ايران ودول البريكس ، وتجري مجابهة هذه الاستحقاق عبر محاولات فرض استراتيجية الحلف الامريكي –الاسرائيلي  والتي تقوم على ان الاولوية في المنطقة هي مواجهة التهديد النووي الايراني وفي هذا السياق يأتي تظهير الصراع الطائفي والمذهبي ليتقدم على الصراع مع المشروع الصهيوني.                                                                                       .

على الصعيد الشعبي الفلسطيني لا ريب بانه قد استقر في الوعي الجمعي الفلسطيني وفي الوجدان الفلسطيني بانه ومن اجل التصدي لصفقة القرن وما يرتبط بها من مخططات سياسية مشبوهة فأن ذلك مدعاة للقوى الفلسطينية بكافة مكوناتها  واطيافها لاعادة بناء استراتيجية وطنية فلسطينية انطلاقا من استعادة التوازن بين مهام التحرر الوطني والبناء الديمقراطي ، وهذا يشمل اعادة تموضع الحركات التحررية الفلسطنية في اطار محور المقاومة والممانعة  بكل ما يترتب على ذلك من خيارات سياسية ونضالية الامر الذي يؤدي بنتيجة الى استعادة القضية الفلسطينية مكانتها في الوعي الجمعي العربي  كمقدمة لاستعادة مكانتها السياسية عند القوى السياسية الفاعلة .

ازاء تلك الاحداث والمعطيات نخلص الى القول بان الشعب الفلسطيني في اطار هذه التفاعلات يقف امام اسئلة حاسمة واساسية ! وان القوى السياسية الفلسطينية والقوى الفاعلة في المجتمع الفلسطيني في الوطن والشتات اصبحت امام استحقاقات خطيرة لا تفيد معها المواقف الضبابية او التمترس في المساحات الرمادية ، فحالة الانحباس التي يعيشها الوضع الفلسطيني تعكس الاخفاق الاستراتيجي في ادارة الصراع مع المشرورع الصهيوني  واهم دروس العقدين الاخيرين هو فشل استراتيجية الحل السياسي ، ووستتحطم المؤامرة المسماة صفقة القرن على صخرة صمود الشعب الفلسطيني الجبار ،ففلسطين هي ذاكرة الشعوب العربية والاحرار في العالم  ومن ينساها فقد اصابه خرف في الشرف والانتماء ، واملنا كبير في شعبنا الفلسطيني في اسقاط كل المؤامرات التي يحاول الغاصبين تمريرها –فحصار حصارك لا مفر واضرب عدوك لا مفر –على ما قال الراحل الكبير محمود درويش.

كاتب وباحث أستراتيجي

ايميل mlehath@gmail.com