مجلس النواب الأردني الغائب الحاضر في الحراك الأخير

أحد, 06/17/2018 - 18:10

د. معن علي المقابلة

   كان من اهم النتائج التي حققها الحراك الأردني في المظاهرات الاخيرة والتي دعا لها الحراك الشعبي على الدوار الرابع في عمان حيث مقر رئاسة الوزراء الاردنية ، والتي امتدت هذه المظاهرات الى مدن وارياف الاردن ، هي الغاء رفع المحروقات والتي يتم مراجعتها بشكل شهري ، واسقاط حكومة هاني الملقي ، وسحب قانون الضريبة الجديد كما وعد رئيس الوزراء المكلف عمر الرزاز ، هذا القانون الذي ادخل النقابات المهنية على خط الحراك ، مما اعطاه زخماً كبيراً وتنوعاً في ادواته واساليبه ، فما كان لدعوة النقابات لمنتسبيها  بالأضراب التي دعت اليه في 30/5/2018 لينجح بهذا الشكل  لولا المساندة التي قدمها الحراك الشعبي لهذه الدعوة ، والتي تبناها ودعا لها على نطاق واسع ، كما ان الحراك استطاع ان يؤجج الشارع في وقفات ليلية في معظم مدن المملكة مما كان له اثر كبير في دعم مجلس النقباء ، وشكل ضغطاً كبيراً على الحكومة , التي لم تستطع تقدير الموقف بشكل دقيق ، مما ادى الى تدخل الملك فأمر بإلغاء رفع المحروقات ، لامتصاص غضب الشارع والحد من الاحتجاجات التي اخذت تزداد ، ثم فشل الحكومة في التفاوض مع مجلس النقباء مما جعل الاخير يدعو الى اضراب اخر نتيجة تعنت الحكومة برفضها سحب القانون محط الخلاف ، مما فاقم الامر وبدى ان الاوضاع اخذت بالخروج عن السيطرة ، فتدخل الملك مرة اخرى ، ولكن هذه المرة بإقالة الحكومة لينزع فتيل الأزمة ، بين النظام من جهة والنقابات والحراك الشعبي من جهة اخرى ،  وبذلك تكون النقابات حققت مطلبها بسحب القانون والحراك حقق مطلبه المرحلي بإقالة الحكومة.

   في خضم هذا الحراك الاردني كان الغائب الحاضر مجلس النواب ، الذى بدى ان الشارع والنقابات تسبقه بخطوات ، فقد اخذت دوره في الدفاع عن الشعب من تغول الحكومة التي بالغت في فرض الضرائب على شعب في الأصل هو منهك ، من تآكل لدخله الشهري الذي لم يطرأ عليه اية زيادة منذ سنوات ، وتآكل لمدخراته ، وارتفاع اسعار المواد الأساسية والتي لا يستنعي عنها اي بيت اردني ، وارتفاع نسب الفقر والبطالة وخاصة بين الشباب لنسب تجاوزت العشرين بالمئة ، ومما زاد الطين بلة ونقمة الشارع على مجلس النواب انه اخذ يلعب دور الوسيط بين الحكومة ومجلس النقباء ، مما زادت نقمة الجميع عليه ، ففي الاصل ان يقف المجلس بصف الشعب ومجلس النقباء لا ان يلعب دور الوسيط وكأن الامر لا يعنيه ، بل ان المجلس لم يتحرك الا في الايام الأخيرة ، وقد تكون حركته بإيعاز من الحكومة ، عله يصل الى تفاهمات مع مجلس النقباء بالتراجع عن مطلبهم بسحب القانون من خلال عرضه على مجلس النواب في دورته القادمة وبالتالي نزع فتيل الأزمة او ترحيلها ، ومن ثم اماتتها ، ووافق مجلس النقباء او كاد لولا ضغط الشارع الذي حسم الامر بامتداد رقعة الاحتجاجات لتعم الوطن كله مما اضطر الملك للاستجابة للشارع بإقالة الحكومة.

   بعد هذا النصر المؤزر للشارع والنقابات فهذه المرة الاولى التي يستطيع الشعب اسقاط حكومة بشكل مباشر ، فعشية اسقاط الحكومة دعا مجموعة من الحراكيين وهم من قادة الحراك الاردني الذي انطلق سنة 2011 لإفطار رمضاني على الدوار الرابع واطلقوا هاشتاغ على الفيس بوك  #_فطورك_على_الدوار_الرابع حُدد موعده في 6/6/2018 وقد كانت ميزة هذه الدعوة انها دعوة لأبناء المحافظات للانضمام لاعتصامات الدوار الرابع في العاصمة عمان ، والتي كانت مقتصرة قبل ذلك على الحراكيين من سكان عمان والمناطق القريبة منها ، وقد لبت المحافظات الدعوة بحضور فاجئ الجميع ، وانطلقت الوقفة بعد الافطار مباشرة بسقوف عالية اعادت للأذهان حراك 2011 و2012 و 2013 وفي مواقف استعراضية كانت بعض المحافظات تأتي تباعاً لاماكن الاعتصام على شكل ارتال وامواج وبشعارات الهبت المعتصمين ؛ اقول بعد هذا النصر الذي تحققت فيه مطالب المعتصمين ، وعادوا الى بيوتهم ، بدأت ترتفع الاصوات بالمطالبة بحل مجلس النواب ، على اعتبار انه خذل الشعب ، ولم يقم بدوره بالدفاع عنه بل وصل الأمر انه حاول التواطؤ مع الحكومة لإخراجها من ازمتها على حساب مطالب الشعب والمعتصمين ، وفي الحقيقة ان مجلس النواب منذ انتخابه بدى مجلساً ضعيفاً ، يقدم مصالح افراده الخاصة على حساب قواعده الشعبية ، فقد مرر قوانين يرى الكثير انها تضر بالدولة على المدى القريب وليس المتوسط او البعيد كقانون الجرائم الإلكترونية ، الذي يحد من الحريات العامة واصبح سوطاً مسلطاً على رقاب الناشطين السياسيين وخاصة الحراكيين منهم ، كما انه مرر قانون الموازنة دون مناقشتها والتي ارهقت المواطنين بضرائب متنوعة طالت معظم فئات الشعب ، ولو لم يتحرك الشارع والنقابات لتم تمرير قانون ضريبة الدخل الجديد كما مُرر غيره.

   ولكن السؤال هنا ، هل حل مجلس النواب التي بدأت الدعوات ترتفع بمطالبة الملك بحله سيأتي بمجلس نواب يعبر عن طموحات الشعب؟ والسؤال الاخر هو ، هل اقالة حكومة هاني الملقي ستحل المشكلة او المشاكل المتراكمة في الدولة الاردنية؟ وسؤال اخر ، هل المشكلة في شخوص وقدرات النواب والوزراء؟ بالإجابة على هذه الأسئلة ، بالتأكيد لا ، فعلى الرغم من ان الوجه الظاهر للعيان لحراك الشارع الاخير هو اقتصادي نتيجة فرض الضرائب وارتفاع الاسعار وتآكل الرواتب وارتفاع نسب الفقر والبطالة ، الا ان اصل المشكلة سياسي ، فعلى الرغم من ان الدستور الاردني يقول ان نظام الحكم “نيابي ملكي وراثي” اي قدم النيابي على الملكي ، الا ان الواقع بعيد كل البعد عن هذه الديباجه فالسلطة متركزة بيد الملك وحده ، فالملك هو الذي يعين الحكومة وهو الذي يقيلها كما ان مجلس النواب مجلس منزوع الدسم ، ولم يعد اكثر من ديكور لتمرير سياسات الحكومة الداخلية واعطائها الشرعية ، ولإعطاء الوجه الديمقراطي للدولة خارجياً ، فالمستعرض لقوانين الانتخاب لهذا المجلس منذ عام 1989 وهو العام الذي عادت فيه الحياة الديمقراطية للأردن ، يرى ان هذه المجالس تم انتخاب كل مجلس فيها بقانون يختلف عن القانون الذي سبقه ، بمعنى ان الست مجالس تم انتخاب كل مجلس فيها بقانون يختلف عن الذي سبقه ، والهدف هو منع وصول كتلة مؤثرة داخل المجلس بحيث تكون قادرة على توجيه المجلس بعيداً عن تأثير الحكومة ، وبالتالي بهذه القوانين يسهل السيطرة على اعضاء المجلس ، اما بالترغيب او الحرمان من الامتيازات ، ونقطة الضعف الاخرى للمؤسسة البرلمانية ان الدستور يعطي الملك الحق في حل المجلس دون ابداء الاسباب بحيث تصبح هذه المادة في االدستور سيف مسلط على النواب ، اما ثالثة الاثافي ان الغرفة الثانية للبرلمان وهو مجلس الاعيان والذي يتم تعيين اعضائه من الملك ولهذا يسميه البعض بـ (مجلس الملك) وعدده نصف عدد النواب أَن هذا المجلس دائماً بصف الحكومة ، فمعظم اعضائه رؤوساء حكومات سابقين ووزراء سابقين.

اذن إقالة الحكومة او حل مجلس النواب ، لن يكون له معنى ما دامت ان هاتين السلطتين ستعودان بنفس الطريقة التي جاءتا بهما من هم قبلهما ، وبالتالي سيفرزان نتائج مشابهة للنتائج السابقة , الحراك الشعبي منذ البداية كان يعي اين المعضلة ، فهي بالصلاحيات المطلقة للملك ، فبدأ يركز في مطالبه على تعديلات دستورية اقلها ان يتم انتخاب رئيس الوزراء من قبل الشعب مباشرة ، ومجلس نواب سيد نفسه غير قابل للحل الا بمدده الدستورية ، وهي الطريق للوصول للحكومات البرلمانية التي تحدث عنها الملك في اكثر من مرة واوردها في اوراقه النقاشية ، فهل سيسعى الملك تحت ضغط الشارع والظروف الاقتصادية والجيوسياسية الى التسريع بما تحدث عنه نظرياً في اوراقه النقاشية؟ نأمل ذلك.

باحث وناشط سياسي/الأردن

Maen1964@hotmail.com