الأغذية البيولوجية: محاربة أمراض العصر بالعودة إلى الطبيعة

سبت, 04/21/2018 - 23:33

اليوم انفو : انتشرت في العالم العربي خلال الأعوام الماضية ظاهرة الإقبال على المنتجات الغذائية البيولوجية أو العضوية والتي يصفها المختصون انها «منتجات لا تحتوي على أي مواد كيميائية أو حافظة وليست لها أية تأثيرات جانبية على صحة الإنسان». اختار البعض السير في هذا الطريق الغذائي لمواجهة أمراض العصر التي بدأت تغزو شيئا فشيئا عالمنا، وذلك بسبب التلوث المتفشي في الأغذية المعاصرة وبسبب نمط الحياة السريع ولجوء العديد من التجار والفلاحين إلى الربح السريع عبر استعمال الأساليب الحديثة في الزراعة من أجل الحصول على أكبر قدر من المنتجات الزراعية وفي وقت أقل، على عكس الزراعة العضوية التي ليست لها تأثيرات سلبية على البيئة والتربة.

عودة إلى القديم

وينصح المختصون في علم الأغذية بالعودة إلى النمط القديم في الزراعة باعتبار ان المواد الحافظة أثبتت علميا احتواءها على بعض العناصر التي يمكن ان تضر صحة المستهلك. ويؤكد الدكتور التونسي خالد زروق المختص في التغذية في حديثه لـ«القدس العربي» ان الزراعة البيولوجية هي طريقة في الزراعة دون خلط المحصول أو إضافة أي مادة أخرى لذلك فهي أكثر أمنا من أنماط الزراعة الأخرى والتي تعتمد على الكيميائيات ويمكن ان تحمل مخاطر التعديل الوراثي. ويشترط في زراعتها أيضا، وحسب محدثنا، مراعاة الموسم الطبيعي لكل محصول، كما أن المنتجات البيولوجية لا تقتصر على المزروعات بل أيضا على تربية المواشي، إذ يمنع استخدام العلف الكيميائي أو الحاوي على المضادات الحيوية مما يفسح المجال لتوفير الأجبان وكافة المشتقات من الحليب بطريقة طبيعية وصحية.
ولكن الإشكال الذي تطرحه هذه المنتجات هو ارتفاع ثمنها بشكل يجعلها ليست في متناول كافة الشرائح الاجتماعية، كونها تتطلب اهتماما خاصا ومكلفا، فعملية نمو النباتات العضوية تأخذ وقتا أطول وهذا ما يجعلها أقل احتواء على المواد الخطرة على صحة الإنسان ومفيدة له بسبب توفرها على جميع الفيتامينات الطبيعية.

نظام حياة

ويشهد هذا النمط من الزراعة اقبالا ملموسا في لبنان وهناك أسواق معينة يجد فيها المستهلك احتياجاته من الخضراوات والأغذية البيولوجية، وحتى في كبرى المتاجر توجد أقسام مخصصة لهذا النوع من المأكولات. وفي هذا السياق تقول عبير رضوان وهي استاذة تعليم وناشطة في هذا المجال عن تجربتها مع الغذاء البيولوجي لـ «القدس العربي»: «التزمت منذ حوالي الخمس السنوات بالغذاء الصحي والذي يسمح لي بتناول الغذاء الغني بالمواد المفيدة والمتنوعة مثل الخضار والحبوب والمزروعة بطريقة عضوية بعيدا عن الكيميائيات المضرة بالصحة، كما ان هذه الخضراوات لا تفقد طعمها بسبب عدم احتوائها على أي مواد كيميائية». 
وتضيف: «لقد التزمت بالغذاء العضوي كنظام حياة متكامل، ولجأت إليه ليس فقط من أجل فقدان الوزن، بل للحصول على صحة أفضل واكتساب مناعة أقوى، حيث كثرت في الفترة الأخيرة العديد من الأمراض الخطيرة مثل ارتفاع نسبة الكوليسترول والسكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، بغض النظر عن الأمراض السرطانية القاتلة. وهنا بدأت تجربتي مع الغذاء الصحي وأدركت أهمية التنوع في الطعام للحصول على كل المغذيات الضرورية للإنسان مثل الكربوهيدرات والبروتينات الضرورية لبناء جسم صحي». 
وقالت انها لاحظت تحسنا كبيرا بعد اتباعها هذا النظام فقد كانت تعاني من الأمراض على مدى العام. وبعد ابتعادها عن المنتجات العادية والتزامها بهذا النمط من الغذاء شعرت بتغير لافت في النشاط والطاقة البدنية. وتشير محدثتنا إلى ان المشكلة الأكبر التي واجهتها هي ارتفاع أسعار هذه المنتجات لكونها مكلفة بالنسبة للمنتج وهنا تمنت ان يصبح هناك وعي أكبر في العالم العربي بأهمية هذه المنتجات وان تشهد انتشارا مما يؤثر في انخفاض سعرها ويجعلها متاحة لكل الفئات. وقالت ان ذلك يعني الحصول على صحة وبيئة أفضل وتجنب الكثير من الأمراض التي تؤثر سلبا على مردودية المواطن في محيطه الاجتماعي.
ويشار إلى أن هذا النوع من الغذاء يشهد أيضا إقبالا لافتا في تونس، حيث انتشرت في السنوات الأخيرة المطاعم التي تقدم أشهى الأطباق المعدة من خضار ومواد زرعت طبيعيا. وحتى اللحوم تقدم في هذه المطاعم من دجاج مربى بطريقة طبيعية ومن بيض طبيعي، ناهيك عن الأسماك التي يشترط فيها أن تكون من منتوجات البحار لم تأكل سوى الأعشاب البحرية باعتبار أن هناك أسماكا تربى ويفقس بيضها في أحواض أعدت للغرض.
وتعج الفضاءات التجارية الكبرى في تونس بهذه المواد مثل البسكويت المصنوع من القمح والعجين الطبيعي وغيرها. ناهيك عن وجود عدد محدود جدا ويعد على أصابع اليد من المحلات التجارية المختصة في بيع المنتوجات البيولوجية، ولكن من المتوقع أن تنتشر في مقبل السنوات باعتبار أن ثقافة استهلاك المنتوجات الطبيعية تنتشر في تونس وإن باحتشام مقارنة بدول أخرى.
وفي هذا الإطار يقول وليد اللغماني صاحب مطعم لتقديم المأكولات البيولوجية في إحدى ضواحي العاصمة التونسية، أنه إذا تحدثنا عن عموم البلاد التونسية فإن الإقبال على الأكل البيولوجي ما زال ضعيفا، لكن الأمر يختلف في بعض الضواحي الراقية، حيث يرتفع مستوى الوعي عموما مع ارتفاع المستوى العلمي والمعرفي. كما أن بعض المناطق الريفية ما زال أهلها يستهلكون الخضراوات واللحوم الطبيعية ولم يتغير نمط حياتهم، وتمثل هذه المناطق مصدرا هاما للحصول على الخضراوات والفواكه واللحوم التي نحتاجها لنقدم منها الأطباق لزبائننا.
ويضيف: «لو تحدثنا من الناحية التجارية فإن فتح مطعم مختص في الغذاء البيولوجي الطبيعي له مردودية جيدة في المناطق الراقية خاصة وأن الثقافة الاستهلاكية لهذا النوع من الغذاء بصدد الانتشار في تونس. كما أن تخصيص الأراضي الزراعية لإنتاج مواد طبيعية خالية من الأسمدة أمر مربح من الناحية التجارية ويمكن ان يجلب العملة الصعبة باعتبار وجود الطلب ليس فقط في الداخل بل أيضا في الخارج».