تركيا: انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة تلوح في الأفق بين تحالف «قومي محافظ» و«علماني كردي»

أربعاء, 04/18/2018 - 16:11

إسماعيل جمال

اليوم انفو : فجر زعيم حزب الحركة القومية التركي دولت بهتشيلي، أمس الثلاثاء، قنبلة من العيار الثقيل بدعوته إلى تقديم موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي من المقرر إجراؤها في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2019 إلى شهر آب/أغسطس من العام الحالي، ما فتح الباب واسعاً أمام دخول البلاد في مرحلة الانتخابات الحاسمة مبكراً وما تحمله معها من تداعيات سياسية واقتصادية كبيرة.
ومنذ أسابيع، تزايدت التكهنات والشكوك حول ما إن كان أردوغان يفكر فعلياً في تقديم موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، التي تعتبرها جميع القوى السياسية التركية «مصيرية» لمستقبل الأحزاب السياسية والجمهورية بشكل عام، حيث تعتقد المعارضة أن أردوغان يخطط لتقديم موعد الانتخابات لاستثمار تنامي شعبيته عشية العمليات العسكرية التي نفذها الجيش التركي ضد المسلحين الأكراد داخل وخارج البلاد والتي كان آخرها عملية غصن الزيتون ضد وحدات حماية الشعب في عفرين.
وبدون مقدمات، طالب بهتشيلي في خطابه أمام نواب حزبه في البرلمان بضرورة تقديم موعد الانتخابات للانتقال بشكل أسرع إلى تطبيق النظام الرئاسي الذي تم تمريره في الاستفتاء الدستوري الذي شهدته البلاد نيسان/أبريل الماضي، مقترحاً تاريخ السادس والعشرين من شهر آب/أغسطس المقبل موعداً للانتخابات، أي قبل نحو 15 شهراً من موعدها الأصلي.

الحليف الأكبر

وبهتشيلي هو الحليف الأكبر للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في السنوات الأخيرة، وشكل مع حزب العدالة والتنمية تحالفاً انتخابياً تحت اسم «تحالف الشعب» لخوض الانتخابات المقبلة، وهو ما دفع للاعتقاد أن دعوة بهتشيلي لتقديم الانتخابات تأتي في سياق مخطط للحزب الحاكم لتهيئة الشارع التركي لفكرة إجراء الانتخابات بشكل مبكر، وهي الفكرة التي بقيت مطروحة طوال الأشهر الماضية بقوة، لكن كبار مسؤولي الحزب الحاكم أنكروا ذلك بقوة خشية من الآثار السلبية المتوقعة على الاقتصاد التركي وإظهار البلاد أنها تعيش فترة انتقالية وتفتقر إلى الاستقرار السياسي.
لكن في المقابل، يفترض آخرون أن تكون دعوة بهتشيلي جرى توجيهها بشكل مستقل، وأن حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان لم يحسموا قراراهم بعد بالتوجه إلى انتخابات مبكرة قد تجلب مزيداً من المتاعب للاقتصاد التركي والعملة المحلية التي شهدت تراجعاً لافتاً في الأيام الماضية.
وما يرجح الخيار الثاني ـ مبدئياً ـ أن خطاب الرئيس التركي، أمس الثلاثاء، والذي جاء عقب دعوة بهتشيلي واستمر لأكثر من ساعة لم يتطرق إلى قضية الانتخابات المبكرة، وعلى العكس ذكر أردوغان في خطابه بثلاثة سياقات مختلفة موعد الانتخابات الأصلي وهو الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر 2019.
وفي تصريحات للصحافين رفض أردوغان التعليق على هذا المقترح قائلاً: «لا يوجد ما أتحدث به الآن»، لكنه كشف عن أنه سيلتقي بهتشيلي اليوم الأربعاء في العاصمة أنقرة، وهو اللقاء الذي بات محط اهتمام وانظار جميع أروقة الساسة الأتراك، كونه يتوقع أن يشهد اتخاذ القرار النهائي لأردوغان فيما يتعلق بإجراء انتخابات مبكرة أو التأكيد على إجرائها في موعدها الطبيعي.
الناطق باسم الحكومة التركية باكير بوزداغ أكد أن المقترح سيجري تقييمه في الدوائر القيادية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، وعقب ذلك بدأ أردوغان اجتماعات مكوكية مع رئيس الوزراء بن علي يلدريم ورئيس البرلمان إسماعيل كهرمان، ومسؤولي الهيئات القيادية في الحزب الحاكم.
حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية قال على لسان الناطق باسمه في أول تعقيب على أنباء الانتخابات المبكرة إن حزبه مستعد «للتحدي في كل زمان»، كما عبرت زعيمة «الحزب الجيد» ميرال أكشينار على أن حزبها مستعد أيضاً للانتخابات.

تحالف الشعب

وعقب الإعلان رسمياً عن التحالف الانتخابي بين حزبي العدالة والتنمية الحاكم والحركة القومية المعارض تحت اسم «تحالف الشعب»، تتجه جميع الأنظار نحو حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية وإمكانية لجوئه إلى تشكيل تحالف انتخابي مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي لتعزيز فرصه في منافسة تحالف أردوغان الذي يسعى لحسم فرصه باكتساح الانتخابات البرلمانية والرئاسية المصيرية. 
وبعد تقارب متواصل منذ عدة سنوات، قدم حزبا العدالة والتنمية والحركة القومية مسودة تعديل دستوري إلى البرلمان التركي، مؤخراً، يتيح خوض الانتخابات من خلال تحالفات، وهو ما اعتبر بمثابة تغيير في قواعد المنافسة الانتخابية في البلاد ونقلها إلى مرحلة جديدة مختلفة عن السابق.
هذا التعديل الدستوري الذي تم إقراره فعلياً في البرلمان بأصوات العدالة والتنمية والحركة القومية، جاء بعد تلاقي أهداف الحركة القومية في ضمان تخطي الحاجز الانتخابي ـ حاجز الحصول على 10٪ من أصوات الناخبين ـ ودخول البرلمان التركي المقبل، وأهداف العدالة والتنمية في تعزيز فرص فوز الحزب في الانتخابات البرلمانية وأردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وفي إطار الحقبة السياسية التي دخلت بها البلاد، يجد حزب الشعب الجمهوري نفسه مضطراً إلى بحث جميع الخيارات من أجل مجاراة التطورات الأخيرة وذلك لخدمة هدفه الأساسي في وضع حد لتفرد العدالة والتنمية وأردوغان في حكم البلاد والمتواصل منذ أكثر من 16 عاماً.
ومنذ عام 2003، فشل الشعب الجمهوري بزعامة كمال كليتشدار أوغلو في الفوز بأي انتخابات محلية أو برلمانية أو رئاسية أمام منافسه الرئيسي «العدالة والتنمية»، لكن آماله تعززت لإحداث اختراق في الانتخابات المقبلة استناداً على نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية والنظام الرئاسي الذي جرى في نيسان/أبريل الماضي عندما تمكن من تقليص الفارق مع الحزب الحاكم إلى أقل من 1٪، حيث حسم أردوغان الاستفتاء بفارق ضئيل جداً.
لكن هذا التقليص الكبير في الفارق وتشكيل تهديد حقيقي لاستمرار أردوغان في الحكم لم يكن ليحدث لولا تلاقي قرار حزبي الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي أكبر حزب ممثل للأكراد في البلاد في التصويت بـ«لا» في الاستفتاء السابق، مقابل تلاقي قرار العدالة والتنمية والحركة القومية بالتصويت بـ«نعم».
التطورات السابقة أرست معادلة جديدة باتت واضحة لجميع الأحزاب، خلاصتها أن الشعب الجمهوري لم يصل بعد إلى المرحلة التي يشكل فيها تهديداً لوحده على استمرار أردوغان في الحكم، وأن الطريق لذلك هو تحالف قوي بين الشعب الجمهوري والشعوب والديمقراطي وبعض الأحزاب العلمانية والكردية الصغيرة.

تحالف جديد

وفي هذا السياق، تنصب جميع محاولات حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية على بناء تحالف انتخابي جديد استعداداً لمواجهة «تحالف الشعب»، حيث تتركز مباحثات الحزب مع حزبي الشعوب الديمقراطي الكردي و«الحزب الجيد» الذي شكلته مؤخراً النائبة المطرودة من حزب الحركة القومية ميرال أكشينار.
لكن، وحسب محللين أتراك، فإن هذا التحالف لن يكون سهلاً، ويحمل الكثير من المخاطر لحزب الشعب الجمهوري، لا سيما وأن «الشعوب الديمقراطي» يواجه اتهامات بأنه الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني الإرهابي وجرى اعتقال وإسقاط العضوية البرلمانية عن الكثير من نوابه خلال الأشهر الماضية، كما أن هذه الانتخابات تأتي في ظل تصاعد النزعة القومية في البلاد والحرب ضد التنظيمات الكردية في تركيا وسوريا والعراق وهو ما يمكن أن يؤثر سلباً على الشعب الجمهوري الذي بدأ أردوغان فعلياً باتهامه بالتحالف مع الإرهابيين ضد البلاد.