الغزالي والفلسفة : ابوبكر / محمد

ثلاثاء, 05/05/2015 - 11:40

كانت علاقة الفلسفة بالشريعة أو الدين علاقة حميمة ووثيقة حيـــث أن الفلسفة قد شبت وترعرعت في أحضان الدين ، وذالك لكونهمــا كانا في أحيان متداخلين متمازجين في كثير من المجتمــــــــــــعات الإنسانية القديمة ، إلا أن هذا التشابك والتصلب بين الاثنين لا يعني بالمرة أنهما متماهيان ذالك لأن الدين وهو من صناعة السمــــــاء ( الإله ) كان دائما وأبدا أشمل من الفكر الفلسفي الذي هو مـــــــن صناعة الأرض ( الإنسان ) وقد أصدر الفقهاء مجمـــــــــــوعة من الفتاوى المحرم لها و المعتبر أنها حكمة يونانية مشوبة بالكفــــــــر والزندقة وأشهر من ذهب في هذا الاتجاه أبو حامد الغـــــــزالي من الفلاسفة أما من الفقهاء فحدث ولا حرج حيث أن هناك ( ابن حزم ، ابن تيمية ، الجويين ) وغيرهم غير أننا نقتصر الاهتمام هنا على أبي حــــــــــــــــــــــــــــــــــــامد الغــــــــــــــــــــــــــــــزالـــــي .
فما هي نظــــــــــــرته للفلسفـــــــــــــــــــة اليــــــــــــــــــونانـــــية وما هي مآخذه على مـــــــــــــــؤيــــــــــدي هذا التــــــــــــــــيار ؟
ـ الغزالي والفلسفة :
لقد أخذ الغزالي على عاتقه مهمة هدم كيان الفلسفة من الداخـــــــل، فشرع بالتعرف على مقاصد الفلاسفة وأغراضهم، ليســـــــهل عليه كشف أباطيلهم وأغراضهم والوقوف على أغلاطهـــــــم وذالك لأنه واثق من أن من لا يقف على منتهى علم لا يقف على فســـاده وبأن الحكم على الشيء إيجابا أو سلبا فرع عن تصوره ،وبذالك يكــــون الغزالي قد حاول نقد الفلسفــــة نقدا منهجيا بناءا ، وقد أدى به ذالك إلى نتيجة مفادها أن الفلاسفة اليونانيين على اختلاف مذاهبهــــــــم وفتراتهم الزمنية قد اشتركوا جميعهم في صفة استلزمت تكفيرهــم وإن كانوا في ذالك متفاوتين من حيث قربهم من الحقيقة الدينية من منظــــــــــــــــــــــــــــــور الغــــــــــــــــــــــــــــــزالــــــــــــــي ،
إنما نلاحظ في هذا السياق هو أن أبا حامد الغزالي قد بدأ يعرض حجج وأغراض الفلاسفة ومن ثم توضيح أغلاطهم وإبطـــــــــــال دعاويهم وتبيان ضعف عقائدهم وبتالي إظهار عدم توافق الفلسفة مع الدين مما جعله يحذر المسلمين من زيف وكفر الفلاسفة وعلى أساس ذالك قسمهم بحسب درجات كفرهم إلى أصنــــــــاف ثلاثة .
ـ الفلاسفة الدهريون :
وهؤلاء لا يؤمنون إلا بالدهر( نموت ونحيى وما يهلكنا إلا الدهر ) ، كما أنهم يجحدون حسب الغزالي وجود خالق مدبر لهذا الكون لأن هذا الأخير حسب وجهة نظرهم كان موجودا بلا بداية وسيظل كــــــــــــــــــــــــذالك بلا نــــــــهايـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة .
ـ الفلاسفة الطبيعيون :
وهؤلاء يعترفون بوجود خالق ومدبر لهذا الكون إلا أنهم ولإيمانهم بالطبيعة فقط أنكروا البعث ولأنهم ماديون أقحاح فإن إنكارهم لبعث الأجساد فقد انتفى عندهم أثر الطاعة وانتظار الثواب والعقـــــــــاب الأخـــــــــــــــــــــــــــــــــــروييـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن .
ـ الفلاسفة الإلهيون :
ويعتبر الغزالي أن من بينهـــــــــم ( سقراط ، أفلاطون ، أرسطو ) هؤلاء دون شك يمثلون أوج ازدهار الحضارة اليونانية وهم اللذين أثرت فلسفتهم في المسلمـــين تأثيرا كبيرا وخاصة أفلاطـــــــــــون و أرسطو ، إلا أن هؤلاء وبرغم من اختلاف مواقفهم الفلسفية عن مواقف الفلاسفة المتقدمين عليهــــم ، فإن الغزالي قد رأى أنهـــم قد استبقوا من رذائل كفر أسلافهم مــــــــا ستوجب عنده تكــــفيرهــــم وتكفير متتبعيهم من فلاسفة الإسلام خاصــــــــــــــــــــــــــــــــــــة (الفــــــــــــــــــــــــــــــــارابي ، ابن سيـــــــــــــــــــــــــــــــــــنا )
إن مجموع ما لاحظه الغزالي على الفلاسفة اليونانيون عشـــــرون مسألة كفرهم في ثلاث منها و اعتبرهم أصحاب بدع في البــــاقي ، فمن القضايا التي استوجبت تكفيرهم حسب الغـــــــزالي قولهــــــــم ( بقــــدم العالم وأزليتـــه ، وبأن الله يعلم الكليات دون الجزئيات ، وإنكـــــــــــارهـــــــــم لحشــــر الأجســـــــاد يــــــــــوم المعـــــاد).
وهنا كفر الغزالي الفلاسفة في هذه المسائل وخاصــــــــــة الفلاسفة الإسلاميــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون ( الفــــــــارابي ، ابن ســينا )
اعتبر البعض كتاب تهافت الفلاسفة ضربة لما وصفه البعـــــــــض باستكبار الفلاسفة وادعائهم التوصل إلى الحقيقة في المسائل الغيبية بعقولهم ، أعلن الغزالي في كتابه فشل الفلسفة في إيجـــــــاد جواب لطبيعة الخالق وصرح أن الفلسفة يجب أن تبقى مواضع اهتماماتها في المسائل القابلة للقياس والملاحظة مثل الطب والرياضيات وفلك واعتبر الغزالي محاولة الفلاسفة في إدراك شيء غير قابل للإدراك بحواس الإنسان منافيا لمفهوم الفلســــــــــــــــفة مـــــــــن الأساس.
خلص الغزالي في كتاب تهافت الفلاسفة إلى فكرة أنه من المستحيل تطبيق قوانين الجزء المرئي من الإنسان لفهم طبيعة الجــــــــــــزء المعنوي وعليه فإن الوسيلة المثلى لفهم الجانب الروحــــي يجب أن يتم بوسائل غير فيــــــــــــــــــــــــــزيــــــــــــــــــائيـــــــــــــــــة .
كان الغزالي أول الفلاسفة المسلمين الذين أقاموا صلحا بين المنطق والعلوم الإسلامية حين بين أن أساسيات المنطق اليوناني يمكن أن تكون محايدة ومفصولة عن التصورات الميتافيزيقيــــــــة اليونانية.
يقول الغزالي في بداية تحرير كتابه : ابتدأت لتحـــرير هذا الكتاب، ردا على الفلاسفة القدماء ، مبينا تهافت عقيدتهم ، وتناقض كلمتهم، فيما يتعلق بالإلهيات ، وكاشفا عن غوائل مذهبهم ، وعــــــــــوراته التي هي على التحقيق مضاحك العقلاء ، وعبرة الأذكــــــــــــــياء.
أعني : ما اختصوا به عن الجمـــــــــــاهير والدهماء ، مــــن فنون العقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــائـــــــــــــــــــــــــــــــــد والآراء .
وفي الأخير لقد كان الغزالي من أكبر النقاد للفكر اليوناني (الفلسفة) وقد كرس حياته الباقية في هدم كيان الفكر الفلسفي من الداخــــــــل وظلت هذه مهمة الغزالي التي لا يشغله عنها شاغل وكفر وبـــــــدأ وحذر وأوعد لكل من تسول له نفسه أن يخوض في ذات اللــــــــــه وصــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــفاتــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه .
ولكن هل أفلح الغـــــــــــــــــــــزالي في مسعــــــــــــــــــــــــــــاه؟
وهل بقي مؤيــــــــــــــــــــدي الفلســــــــفة صامتــــــــــــــــــــون؟