دعوة الوصاية على السودان.. هل هي مقدمة لتدخل اجنبي وإعلان عن موت امه وبيع وطن؟

ثلاثاء, 04/10/2018 - 18:51

الريح عبد القادر محمد عثمان

نشرت صحيفة معارضة سودانية مقالاً طويلاً، آثرتْه بإبرازٍ خاص، يدعو كاتبه إلى فرض الوصاية على بلدنا، السودان، واعداً “من عنده” بأن ذلك من شأنه أن يحقق السلام والتنمية والديمقراطية وينقذ البلاد.

لقد صرنا، بسبب تباغضنا وحقدنا بعضنا على بعض، ننادي بالتدخل الأجنبي في بلدنا، وبعودة الاستعمار، وبفتح أبواب بيوتنا للإمبريالية والصهيونية والماسونية! وهكذا صرنا على أعتاب مشروع “إنقاذ ثانٍ”، أدهي وأضل، وأنكى وأمر، لنصل دركاً أسفل وأرذل مما أوصلنا إليه أصحاب الإنقاذ الأول.

التدخل والوصاية بحاجة، لا محالة، إلى عملاء وكلاب من الداخل، فهل يا ترى بدأ التجنيد أم ليس بعد؟

لا نريد أن نطعن في نية كاتب المقال ومقدم الدعوة، لكننا نقول منذ البداية إن هذا الطرح لا يمثل فقط إعلاناً عن عجزنا وخورنا وعدم ثقتنا في أنفسنا، وفي شعبنا، وفي أرضنا ومواردنا، وفي ديننا، وفي ثقافتنا وفي إرثنا، بل إنه يعبر عن عدم ثقتنا في ربنا، الله الذي خلقنا وخلق كل شيء، وفي أنه القادر على أن يحي موات بلادنا وموات أنفسنا. 

هذا الطرح إعلان عن موت أمة وبيع وطن. 

إنه الخنوع والتخلي عن الكرامة. 

وهو، من الناحية التقنية، تكريس للفشل، لأنه دعوة لن تتحق في نفسها ولن تحقق هدفا، بل لن تؤدي إلا إلى مضاعفة أسباب الخلاف والتنافر؛ 

ومن الناحية العلمية، تنبئ هذه الدعوة عن سذاجة متناهية في فهم ديناميكيات الواقعين الداخلي والخارجي على حد سواء. كيف سوف يقبل السودانيون والسودانيات بهذه الهزيمة؟ وكيف لا يسيل لعاب الضباع النهمة لهذا اللحم المتاح رخيصاً؟ 

ما أشد الغفلة حين يطلب الحمل، السمين-الضعيف، حماية الجزارين والذئاب والأسود! 

أي رجال نحنُ وأي نساء لنطلب الوصاية في تدبير شؤونا بلدنا؟

وممن نطلبها؟ من بريطانيا والولايات المتحدة؟!

انظر بربك في مشاكل العالم: هل توجد مشكلة واحدة في العالم ليس وراءها بريطانيا والولايات المتحدة؟

 

أيها السودانيون!

أيتها السودانيات! 

لقد طفح الكيل فأفيقوا! 

ثوروا على أنفسكم قبل أن تثوروا على حكامكم!

أنتم لا تحتاجون إلى ثورة. فما أشد ثوران قلوبكم وبغضكم وحقدكم وحسدكم وطمعكم!

ما أشد ثوران كبريائكم وتعاظمكم!

أنتم بحاجة إلى عكس الثورة: إلى هدأة مع أنفسكم، ليرى كل واحد منّا أنه هو مشكلة نفسه، ومشكلة أسرته، ومشكلة بلده، ومشكلة دينه، ومشكلة غيره!

اهدأوا لتروا أولاً مكمن المشكلة وبيت الداء، ثم ثوروا بعد ذلك: ثوروا على أنفسكم.

ليَثُرْ كل واحد منا على نفسه: وليقطع رأس تكبره وكسله وحقده وحسده وطمعه!

لقد أعطاكم الله ربكم كل شيء: أرضاً، وماءً، وثروات أكثر مما أعطى معظم العالمين. 

فماذا فلعتم بها؟

وأعطاكم ما هو أعظم من ذلك: الإسلام والقرآن والعظيم. 

فماذا فعلتم بهما؟

وأعطاكم قلوبا وعقولا وأجسادا قادرة على المحبة والتفكير والعمل. 

فماذا فلعتم بها؟

مشكلتكم في أنفسكم! “وفي أنفسكم أفلا تبصرون”؟ 

استخدموا تلك القلوب في محبة أنفسكم، في محبة بعضكم بعضا؛

وتلك العقول في التفكير السليم في حالكم؛

وتلك الأجساد في العمل الدؤوب لإصلاح بلدكم؛

وذلك القرآن العظيم في تنقية النفس من أنجساها وأرجاسها.

أنتم لا تعملون. ولا تحبون أنفسكم. ولا تفكرون. ولا تعرفون قيمة الهبات العظيمة التي بحوزتكم.

ولكنكم تتعاظمون. وتتمنون. وتنامون.

وتطمعون. وتحسدون. وتحقدون.

وتألمون. وتصرخون. ولا تتعلمون.

أفيقوا فقد طفح الكيل!

هل تحسدون أهل الحكم على “جناح البعوضة” الذي هم به فرحون؟

هل تحسدونهم على ما بأيديهم من “الحسرة والندامة”؟

هل ضعف إيمانكم فظننتم أن من يمسكون بمقاليد الحكم يمسكون أيضا بخزائن رحمة ربكم، ويمنعون دعاءكم من الوصول إليه؟

اعلموا أنه لا أحد يستطيع أن يضركم إن لجئتم إلى ربكم، لجوء المضطرين، ولن يأخذ أحد منكم شيئاً أن اتقيتم وأنبنتم إلى ربكم.

ولكنكم نسيتم ربكم فنسيكم، وظننتم أن الأمر بيد من ظلموكم، فأسلمكم إليهم، فذلك ظنكم الذي أرداكم.

إنكم لا تعرفون قيمة القرآن العظيم الذي نبذتموه وراء ظهوركم.

إن آية “كمثل الحمار يحمل أسفاراً” نزلت فيكم وفي أمثالكم، ولكنكم لا تفقهون. 

ما الذي استفدتموه من القرآن العظيم، والذكر الحكيم؟

إنكم لا تعرفون أنه أجل وأعظم وأنفع وأجدى وأحلى وأغلى ما في الكون!

القرآن العظيم يعلمكم: ألا يرى أحدكم فضلاً له على أحد آخر، لا بلغةٍ، ولا بلونٍ، ولا بقبيلة، ولا بأي شيء

ولا حتى بالدين: من كان يظن أنه أفضل منّا بدينه أو بتقواه فليرنا جنته وليُرِنا نارنا!

إنكم تتفاضلون بكل شيء، بأي شيء.

أصلحوا أنفسكم! ليصلح كل واحد منا نفسه. أصلح نفسك قبل أن تُصلح غيرك. 

أصلح نفسك قبل أن تصلح بلدك!

انتقد نفسك قبل أن تنتقد غيرك. 

ليصلح كل منا أخلاقه، وليصلح أبناءه وبناته وأسرته وأهله، وليصلح علاقته بربه!وليعمل ولينتج! 

وليتواضع. تواضعوا لتعملوا وتنتجوا وتصلحوا؛

تواضعوا ونظفوا بيوتكم، وشوارعكم وقراكم ومدنكم؛

لا أحد فقير إلى درجة القذارة؛

الجائع معذور في جوعه، لكن لا عذر له على وسخه؛

لماذا تتأففون عن العمل منظفين في بلدكم ولا تستنكفون عن الكنس والمسح في إسرائيل؟

أليس الطهور شطر الإيمان؟ أليس إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان؟

تواضعوا لتنظفوا قراكم ومدنكم؛

تواضعوا لتنظفوا قلوبكم وأنفسكم وبلدكم.

تواضعوا حتى لا يرى أحد منكم لنفسه فضلاً على أحد؛

تواضعوا حتى لا يحتقر بعضكم بعضاً، ولا يتكبر بعضنا على بعض؛ 

تواضعوا لتقتلوا القبلية والعصبية والجهوية والحزبية والعنصرية والشعوبية فيكم؛

تواضعوا لتقتلوا “الحلوبية” فيكم و”الزروقية”؛

تواضعوا لتهزموا قبائل النوبة والدينكا والجعليين والشايقية والدناقلة والهدندوة والبقارة وغيرها.

تلك القبائل التي ما فتئت تلحق بكم الهزائم وتمزقكم شر ممزق.

أهزموا تلك القبائل شر هزيمة وعودوا سودانيين، شعاركم كلنا من تراب.

تواضعوا لتقتلوا الطمع، والحسد، وحب الزعامة، وحب الرئاسة والوجاهة!

تواضعوا لتقتلوا حب المال وحب الدنيا في قلوبكم!

انزعوا حب المال من قلوبكم، ليتدفق المال إلى أيديكم؛

وانزعوا حب الدنيا من قلوبكم، لتصبح الدنيا في أيديكم، فتصلحوها؛ 

لا تقولوا نحن خير الناس، فخير الناس من لا يرى أنه خيرهم؛

ولا تقولوا نحن أكرم الناس، فأكرم الناس لا يرى كرمه، و لا يتحدث عن كرمه؛

لا تتفاخروا في ما بينكم، ولا تفخروا على جيرانكم؛

كل فخور لا يحبه الله

تواضعوا حتى لا يبغض بعضنا بعضا؛ 

تواضعوا حتى لا يسخر بعضنا من بعض؛ 

تواضعوا حتى يحب بعضنا بعضاً. 

تواضعوا ليرفعنا الله.

فلن ترفعنا الإمبريالية، ولا بريطانيا، ولا أمريكا. 

ولن نرتفع بعودة الاستعمار.

تواضعوا، فمن تواضع لله رفعه.

ذلك وعد الله الذي يخلق الميعاد

على لسان نبيه الصادق الأمين

صلى الله عليه وسلم.