شيء ما يتحقق على أرض الواقع ” أوراسيا للأوراسيين”!

جمعة, 03/02/2018 - 15:57

 

صباح علي الشاهر

مَن مِن جيلنا لا يتذكر قول الزعيم الصيني الراحل ماوتسي تونغ” الأمبريالية الأمريكية نمر من ورق” ومَن لا يتذكر رد الزعيم السوفيتي الراحل خروشوف ” لكنه نمر بأنياب ذرية ” . وقتها وقفنا في حيرة من توصيف دقيق في الجوهر ، ينسجم مع ما تعلمناه ، ورد دقيق وموضوعي يعكس واقع حال لابد من أخذه بالحسبان .

كانت الفجوة بين العملاقين الشيوعيين تتسع بإستمرار ،  مناصروا الأول حسبوا الطرف الثاني منحرف يمينيا ، ويتجه شاء أم أبى لمصيره المحتوم ، ومناصروا الثاني حسبوا أن الطرف الأول مغامر ومتياسر ، لا يحسن قراءة الواقع الموضوعي ، فيتشبث بأوهامه ..

هل عرف الصينيون في وقت مبكر حقيقة النمر الورقي ، ومصدر قوته ، فعملوا بهدوء ، ودونما صخب لمنازلته بسلاحه ، وهو الأقتصاد والنمو المتسارع ؟

وهل إنخدع السوفيت بحقيقة القوة التي حسبوها التسلح والأنياب الذرية ، فإنصرفوا بكل جهدهم للتفوق في هذا الجانب على حساب ما كان ينبغي أن يقوموا به ويقدموه للشعب ؟

بين مستوى نمو سنوي تراوح بين  9 إلى 11% تمكنت الصين من تغيير واقعها الاقتصادي خلال عقدين من الزمن ، ثم تربعت على قمة الهرم ، وطيلة عقود إتخذت الصين موقف العزلة النسبية ، فبعد إن إستردت مقعدها في مجلس الأمن الذي كانت تحتله فرموزا ( تايوان) فتحت أبوابها أمام العالم  بعد تفعيل شعارها في الداخل ” دع مائة زهرة تتفتح، دع مائة مدرسة تتبارى”، وشيئاً فشيئاً صعدت القمة ، وتربعت عليها ، ثم طرحت نفسها كقوة عظمى تطالب بحصتها المستحقة .

الصين اليوم شيوعية رأسمالية ، خلطة عجيبة لم يكن بالإمكان وقت ذاك تصورها ، في لجنتها المركزية بعض من المليارديرات ، وروسيا في عهد بوتين لم تعد شيوعية ، فهي رأسمالية ، لكنها تحمل الإرث السوفيتي ، الذي أضحى بوتين أحد أبرز ممثليه ، والسائرين على نهجه .

لا وجود الآن في الصين لماوتسي تونغ ، إلا من خلال صوره المبثوثة في كل مكان ، ولا وجود الآن في موسكو لبولغانين وخروشوف ، وأندروبوف، وبريجنيف، أما آخر الرؤساء السوفيت ” غورباتشوف” فقد أضحى رئيس مركز بحثي لا يقرأ أحد أبحاثه .

لكن الموقف من الإمبريالية الأمريكية ظل هو هو من حيث الجوهر بالنسبة إلى الصين وروسيا الإتحادية ، وريثة الإتحاد السوفيتي .

الفارق بين الأمس واليوم ، أن العملاقين الشيوعيين سابقاً ، لم يعودا يتنافسان أيدلوجياً ، ولا يحتكمان للأيديولوجيا ، بل للمصالح الشمتركة ، المتنامية بإستمرار، وهما يتحالفان بوجه منافس آخر ما زال يعدهما لا منافسين له ، بل أعداء يحاولون القضاء عليه ، عبر تحجيمه وتحجيم مصالحه في العالم .

في أواخر الخمسينيات” عصر الترانسستور الياباني” وفي الستينات ” السبرنتيك الياباني” وحتى السبعينات ، كنا نتحدث عن المعجزة اليابانية ، وقتها كنا نعد البضاعة مغشوشة إذا لم تكن يابانية ، كأن تكون بضاعة هونك كونغ مثلاً ، أو تايوان ، كنا نبحث عن “ميد إن جابان” ، وربما كان العالم كله هكذا .

في بداية القرن الماضي إحتلت بريطانيا العظمى ، التي كانت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس هذا الموقع ، وكنا ، ونحسب أن العالم كله أيضا ،  كان يبحث عن المنتوج الممهور بختم ” ميد إن يونايتد كندم” .

اليوم لم يعد لليابان ، ولا لبريطانيا التي ما زالت عظمى نفس الأهمية ، فثمة مار كات أخرى تسابقت مع الماركتين ، وتفوقت عليهما في مجالات عديدة ، الصين ، كوريا الجنوبية ، المانيا، وقريباً الهند ، وفي السلاح روسيا حصراً .

لماذا جئنا بمثال اليابان وبريطانيا ؟

لأننا نعتقد أن موقف أي منهما مستقبلاً سيكون حاسماً ، أو في الإقل سيقرب الحسم .

ثمة تشابه رغم ركامات الإختلافات بين اليابان وبريطانيا . الأولى بضعة جزر تنفصل عن القارة الأم ” آسيا” لكنها تقترب منها كثيراً عبر جزر كوريل المتنازع عليها مع روسيا ، وهي ترتبط بغرب أمريكا عبر المحيط الهادي ، حتى ليمكن القول أنها جارة لها، وبريطانيا مجموعة جزر تنفصل عن القارة الأم ” أوروبا” لكنها تقترب منها عبر أضيق نقطة في بحر المانش، وهي ترتبط بشرق أمريكا عبر الأطلسي ، حتى ليمكن القول أنها جارة لها.

واليابان دخلت في صراعات دموية مع اليابسة الأم ، وتركت ذكريات لدى شعوب شرق آسيا من الصعب أن تنسى ، وكذلك بريطانيا دخلت صراعات دموية مع أمها اليابسة ، وتركت لدى شعوب غرب أوربا ووسطها ذكريات من الصعب أن تنسى .

والدولتان إستعانتا بأمريكا على محيطهما ، مع ان اليابان دخلت في حرب ضروس مع أمريكا ، وبريطانيا إستعمرتها ردحاً من الزمن ، ولم تخرج منها لا بحرب .

الزمن الذي حول الأعداء إلى أصدقاء ، والمتحاربين إلى حلفاء ، كفيل بتغيير المعادلات الآن ، علماً بأن اليابان أولا وأخيراً “جزء من آسيا” ، وبريطانيا أولا وأخيراً “جزء من أوربا” ، وللجغرافيا حكمها الذي لا يُرد ، آجلاً أم عاجلاً ، فالجغرافية في نهاية المطاف ستحدد أولويات المصالح .

ربما ستسبق اليابان بريطانيا في إنتمائها لمحيطها الطبيعي ، وتكاملها معه ، لكن قرب بريطانيا من أمريكا وإبتعادها عنها سيكون حاسما في صراع القوى المحتدم في عالم اليوم .

ربما لا يطول بنا العهد لنجد شعار أوراسيا للأوراسين قد أصبح واقعاً متحققاً ، ما علينا سوى مسح بعض الغبار لرؤية الصورة على حقيقتها .