بمناسبة تكريمها في مصر.. أضواء على كتاب جميلة بوحيرد

ثلاثاء, 02/20/2018 - 13:27

د. محمد سيف الإسلام بوفـلاقـة

يظل الحديث عن المجاهدة الأسطورة الرمز جميلة بوحيرد،  وتجلياتها في الشعر العربي من الأحاديث التي تغوي بالبحث، والتأمل،  والاكتشاف.

 فالمناضلة جميلة بوحيرد تعتبر إحدى أبرز المناضلات من أجل الحرية في القرن المنصرم،  وتعد إحدى أهم  خمس شخصيات سياسية طبعت القرن العشرين، وأثرت فيه بفضل نضالها، وصبرها الأسطوري، فهي  رمز مشرق من رموز الكرامة العربية، والنضال البطولي،  والحرية الإنسانية،  وقد دوى صدى نضالها في شتى أصقاع العالم…

   ولا ريب في أن الحديث عن مناضلة بحجم جميلة بوحيرد هو من الصعوبة بمكان، وكما عبر عن ذلك الكاتب الصحفي قصي درويش الذي أجرى  حواراً معها سنة:1968م بقوله:«جميلة بوحيرد، نعم جميلة بوحيرد أعرف أن الحديث عنها صعب، فالحجم الذي تحتله في ذاكرتنا الجماعية كبير جداً.إنها أسطورة، والأساطير مغلفة دوماً بهالة كثيفة من الغموض…وفوق ذلك فالأسطورة تنتمي إلى الماضي…إلى المخيلة الشعبية المتراكمة.

  الفتيات الصغيرات اللواتي حملن صورها في مطلع الستينيات أصبحن أمهات، والأمهات اللواتي روين حكايتها أصبحن جدات.

  لأجيال عدة كانت جميلة بوحيرد رمز الأمل، وطريق العطاء، وعنوان حلم جميل لمرحلة ناصعة من تاريخنا العربي   الحديث لمرحلة ناصعة من تاريخنا العربي الحديث لم يتحقق منها إلا القليل…كان الفصل بين جميلة بوحيرد، والجزائر في ذهني أمراً مستحيلاً.ولا أبالغ إذا قلت إن حبي للجزائر، وحبي لجميلة ولدا معاً في لحظة واحدة، ولعلي لست الوحيد في ذلك من أبناء جيلي…» (1) .

                ويذهب الشاعر الدكتور عبد الله حمادي إلى أن«الحديث عن حياة جميلة بوحيرد يشبه القبض على السراب، لأن الأمر ببساطة يتعلق بأسطورة، حيث لم يحدث عبر التاريخ أن تأسطرت حياة كائن بشري، وهو حي يرزق، و يمشي بين الناس، ويتنفس هواءهم، ويتقاسم معهم مسرّات الحياة، ومآسيها، لكن في ذات الوقت يحافظ على هالة  القداسة الأسطورية  التي تجعل منه شخصاً ينتمي للماضي، والحاضر، والمستقبل في آن واحد، وكأن العناية الإلهية تريد أن تجعل من هذا النوع من البشر كائنات غير طبيعية تتحدى بصيرورتها حدود الزمان، والمكان فذلك هو شأن المجاهدة الخالدة جميلة بوحيرد التي أبت مسيرتها الحياتية إلا أن تكون جزءاً من الصيرورة الأبدية»(2) .

     وفي هذا الإطار يأتي كتاب أستاذنا الفاضل الباحث الدكتور شريبط أحمد شريبط  ؛أستاذ الأدب الجزائري بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة عنابة، الموسوم ب«كتاب جميلة بوحيرد»،  تخليداً للمناضلة جميلة بوحيرد، ولتجليات بطولتها في الأدب العربي،  فهو يقع   في أربع، وخمسمائة صفحة(504)، ويحوي العديد من القصائد، والأعمال الأدبية التي أبدعت تخليداً لأسطورة النضال الجزائري جميلة بوحيرد، وقد    صدر   عن منشورات «المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية»بالرغاية ،  وبتصدير من الأستاذة خليدة تومي؛وزيرة الثقافة الجزائرية.

   وقد افتتحت السيدة وزيرة الثقافة السابقة؛الأستاذة خليدة تومي تصديرها للكتاب بقولها: «إنه لمن دواعي البهجة، والاعتزاز أن أدعى إلى تقديم هذا الكتاب القيّم الذي خصه الباحث الجاد الأستاذ شريبط أحمد شريبط للمجاهدة البطلة جميلة بوحيرد ، وعليه فبأي الكلمات يمكنني أن أقدم هذا السفر النفيس المكتتر بلآلئ الشعر المجنح الذي صاغ بإبداعية فائقة ملحمة العنفوان، والاستبسال، لامرأة بحجم، وعظمة الفدائية جميلة بوحيرد التي دوى اسمها في الآفاق، وترددت بطولاتها على مسمع الكون، فنالت بحق شرف التمجيد، والتخليد، وكأنها في رمزيتها الإنسانية الدالة قد جوهرت في كينونتها كل الضمائر الحية، فاحتشد المئات من الشعراء في الوطن العربي من أقصاه إلى أدناه يتغنون بشجاعة البطلة الأسطورية، وهي تتحدى الجلادين في لحظات تاريخية نادرة يصعب استعادتها، أو تكرارها لولا هذه النصوص السامقة التي رافقتها في محنة التوهج، والشموخ، ولم يحدث في تاريخ العرب المعاصر أن حظيت امرأة، كما حظيت جميلة بكل هذا التمجيد القشيب المؤثت بروائع الإنشاد الشعري المتسامي…» (3) . كما أشارت السيدة وزيرة الثقافة في تصديرها إلى أن جميلة بوحيرد  أصبحت من الأسماء الملهمة للشعراء في مختلف الأقطار العربية، كالعراق، ومصر، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، واليمن، والسعودية، والأردن، والسودان، وغيرها، وظهرت عشرات القصائد الرائعة التي كتبت من قبل العديد من الشعراء.

  وعرجت  على الأصداء الكبيرة التي لقيها نضال البطلة جميلة بوحيرد في العالم العربي، وقالت في هذا  الشأن: «وكأن هذه البطلة الجزائرية قد أعادت لهم أحلامهم المغتالة من قبل المحتلين، ولم نبالغ إن قلنا بأن جميلة بوحيرد قد أعطت للنضال العربي حالة من اليقين والثقة، إذ تعاظم الإحساس بالانتماء للوجدان، والمصير المشترك، واشتعل الشوق أكثر للتحرر والانعتاق، لأن الحرية والاستقلال شرطان للتغيير، والتفوق، والارتقاء إلى الحياة الإنسانية المعززة بالكرامة، والأمل».

     وختمت السيدة وزيرة الثقافة السابقة تقديمها للكتاب بقولها: «وإن تكن من كلمة أخيرة في هذا المقام، فإننا نهنئ الباحث على هذا الإنجاز المعرفي الهام الذي يضاف إلى الرصيد الثمين للقارئ، وإلى فضاءات المطالعة العمومية.ومن محاسن الصدف أن يتزامن صدور هذا الكتاب مع احتفالات بلادنا بتظاهرة(تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية)، وما أجلها من مناسبة، ونحن نقدّم للقراء كتاباً حول بطلة من بطلات الجزائر، التي سميت بعدّة ألقاب مثل:جان دارك العرب، آية الفداء، شمس السلام، الشمعة المصلوبة، وغيرها من الأوصاف الذائعة الصيت.

  لك منا يا جميلة الجزائر كل التمنيات، والدّعاء بالصحة، والعافية، والعمر المديد، ولك منا إلى أبد الآبدين باقات المحبات العطرة، وعبارات العرفان، والتبجيل الذي لا ينضب دربه، أو معينه»(4) .

     وتحدث الدكتور شريبط أحمد شريبط في مستهل مقدمة الكتاب عن الدور الكبير الذي لعبته الثورة الجزائرية، وقال في طالعها:«شغلت الثورة الجزائرية المعاصرة(1954-1962م)ثوار العالم، وأحراره انشغالاً قلما بلغته أية ثورة في القرن العشرين حتى كادت مبادئها تكون قدوة للكثير من شعوب العالم في تحررها، وانفجار ثوراتها ضد أشكال القمع الاستعماري، وما كان يقوم به ضد الإنسانية من جرائم لم تسلم الأرض منها، مثلما لم يسلم الإنسان، فنهبت الأرض، وهربت كنوزها، واحتكرت خيراتها من قبل الاستعماريين، والمعمرين…

  وكان للثورة الجزائرية أيضاً أثر عميق في مختلف الأشكال الأدبية، والفنية، ومنها:المسرح، والسينما، والغناء، والشعر، والقصة، والرواية، والمثل، والشعر الشعبي…إلخ.

    وقد كان للشعر إقبال كبير على احتضان قيم، ومبادئ الثورة الجزائرية، وبطولات رجالها ونسائها، حتى إنه يمكننا القول دون مبالغة، أو مواربة بأنه لا يوجد شاعر عربي من المحيط إلى الخليج عاصر انفجارات الثورة الجزائرية، ولم تهزه أحداثها، ويتفاعل معها، فيكتب فيها قصيدة أو أكثر، بل يوجد من الشعراء من كتب ديواناً كاملاً في الثورة الجزائرية، ويوجد من الشعراء العرب من علا صيته، وكاد اسمه يقترن بالثورة الجزائرية، ومنهم الشاعر السوري الثوري ذي الشهرة الواسعة(سليمان العيسى)» (5) .

   وأضاف الدكتور شريبط أحمد شريبط أن« من أسماء الشخصيات الثورية التي تواترت بكثرة في الشعر العربي:جميلة بوحيرد، وأحمد بن بلة، وعميروش، وزيغود يوسف، وغيرهم».

    وأشار إلى أنه لم يتم الاكتفاء بذكر أسماء هذه الشخصيات الثورية فحسب، بل تم الاحتفاء بالمكان، وبأسماء المدن، حتى كادت بعض الأمكنة تتحول إلى لازمة تتردد في قصائد الشعراء العرب، وقد نالت هذه المدن شرف الجهاد، والصمود، والبطولة، مثلما نالتها الشخصيات الثورية، ومن هذه الأمكنة:الأوراس، وجرجرة، وذكر الدكتور شريبط أن ما لفت انتباهه حينما كان بصدد جمع مادة هذا الكتاب هو تردد اسم مدينة وهران في الشعر العربي، وقدم مثالاً على ذلك بقول الشاعر السعودي حسن عبد الله القرشي في قصيدته: «كفاح مسلح»، من ديوانه: «نداء الدماء»

« إيه(وهران)رددي في الفضاء

أغنيات العروبة الشماء

ذكريات تهدى لخير مساء

وصباح معطر الأنداء».

     ويؤكد الدكتور شريبط أحمد شريبط على أن اسم الفدائية«جميلة بوحيرد» قد نال حظاً وافراً من الشهرة والانتشار، وإن كانت هذه الشهرة تعود إلى الأعمال الفدائية التي قامت بها بإتقان، وحرفية عاليتين، ومنفردتين-وهي أعمال جليلة دون ريب-فإن ما قامت به الكثير من نساء الجزائر، وحرائرها سواء في المداشر، أو في القرى، والمدن لا يقل  عما أنجزته من أعمال، ومن تضحيات جسيمة قدمتها نسوة أخريات.

   وذكر أنه كان للحملة الإعلامية التي ظهرت إثر صدور حكم الإعدام على جميلة بوحيرد أثر عميق على زيادة شهرتها، وزيادة الانبهار بها إلى حد الانبهار، والإدهاش، ولذلك فقد اتخذ اسمها أشكالاً متنوعة لأعمال التحرر، والانعتاق، ورمزاً للفداء، والنضال ضد الاستعمار، وطغيانه…

  وتطرق الدكتور شريبط إلى الصعوبات التي اعترضت دروبه ، وهو في سبيل النهوض بهذا العمل، وأبرزها تشتت المصادر، وتنوعها، إضافة قراءة عشرات الدواوين الشعرية، والكتب، الدوريات.

    وبالنسبة لتذليل هذه الصعوبات، والتفكير في إنجاز هذا العمل يقول المؤلف: «ولقد تمكنت من تذليل بعض هذه الصعوبات بالصبر مرة، وكان صبراً أيوبياً مثلما وصفه أحد الزملاء، حيث كنت أثناء التنقيب عن مادة هذا العمل، وما زلت إلى الآن أقاسي الأمرين بسبب احتلال بضعة أمراض لبعض أعضاء جسدي، وهي:الفشل الكلوي الحاد، مرض السكري، وضيق في شرايين القلب، والفيروس الكبدي، ولذلك فقد أرغمت إرغاماً على دخول بعض مستشفيات عنابة، والإقامة في بعض مصحاتها مثل:مصحة القلب، ومصحة السكري…إلخ.

  إلا أن وفائي لرموز الثورة الجزائرية، وتقديري العظيم لتضحيات الثوار الكبيرة في سبيل تحرير بلادنا من ربقة الاستعمار، وظلمه الجائر، ونهبه لخيرات بلادنا، واستعباده للإنسان الجزائري الحر، كان يدفعني دفعاً إلى مواصلة العمل ورقة، ورقة، وأحياناً  سطراً فسطراً إلى أن استوى العمل على هذا الشكل.

    وللأمانة فإن أصل هذا العمل يعود إلى اقتراح تكرم به علي المدير العام للمكتبة الوطنية السابق أمام ما يزيد عن ثلاثمائة باحث، وأديب، ومسؤول عربي جاءوا إلى مقر المكتبة الوطنية الجزائرية من مختلف الأقطار العربية تلبية لدعوة منظمي(ملتقى سرديات المرأة العربية)، وقد حصلت على موافقة ، وتأييد كل من كان حاضراً في جلسة الافتتاح، وهل لي بعد هذه المسؤولية التي حملت إياها أمانة، وما أعظمها من أمانة أن أكلّ، أو أتوقف، وقد كانت صور المجاهدين، والشهداء، والمسبلين تتراءى لي على بياض الورق، وهي تشق الجبل تلو الجبل، وتقطع الدروب والمسالك، والقمم، والوديان، والشعاب، وليس ذلك إلا من أجل أن تتحرر الجزائر، وتبزغ شمسها، ويزهو أبناؤها بين حقول القمح، والعنب، والكرم»(6) .

     وقد قسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام رئيسة ، القسم الأول موسوم ب: «الملحق الشعري»، ونلفي فيه أكثر من خمسين قصيدة للعديد من الشعراء العرب نذكر من بينهم:الدكتور أحمد هيكل، والدكتور حسن البياتي، وجميل صادق جبور، وبدر شاكر السياب، والدكتور جواد البدوي، وخضر عباس الصالحي، وخليل الخوري، والدكتور سعد دعيبس، وسعيد إبراهيم قاسم، وسليمان العيسى، وسليمان الرشدان، وصلاح عبد الصبور، وصلاح جاهين، والدكتور صالح خرفي، وصادق الصائغ، وشفيق الكمالي، وكامل الشناوي، ولميعة عباس عمارة، وغيرهم.

             أما القسم الثاني من الكتاب فقد خُصص لإعادة نشر المسرحية الشعرية«مأساة جميلة»، للأديب عبد الرحمن الشرقاوي، وعن سبب إعادة نشر هذا النص قال الدكتور شريبط أحمد شريبط:«من أهم الأسباب التي دفعتني لإعادة نشر هذه المسرحية الخالدة عدم انتشارها في بلادنا، وفي العديد من البلدان العربية رغم أنها تتضمن أساليب مسرحية راقية، ومواقف إنسانية ندر مثلها، وتعاطف جلي مع الثورة الجزائرية، ومناصرة قوية لرجالها ونسائها».

       أما القسم الثالث من الكتاب فنلفي فيه مجموعة من المقالات المتميزة، والتي تكتسي أهمية كبيرة، واستثنائية، من بينها مقال العماد مصطفى طلاس الذي جاء في كتاب: «موسوعة الثورة الجزائرية»، كما نجد في هذا القسم حواراً يعد غاية في الأهمية، ويضيء جوانب خفية من حياة جميلة بوحيرد، أجرته مها الصحافية«صوفية الهمامي»، ونُشر في العدد:204 مجلة«المرأة اليوم»، إضافة إلى الرسالة التي أُرسلت إلى الرئيس باراك أوباما من قبل اللجنة الشعبية الجزائرية لنصرة فلسطين ودعم المقاومة، ووُقعت من قبل جميلة بوحيرد، والأخضر بورقعة.

     الهوامش:

(1) ينظر:قصي صالح درويش، حوار مع جميلة بوحيرد نُشر تحت عنوان: «أجمل أيام حياتي يوم حكم علي بالإعدام»، منشور بمجلة«الحدث العربي والدولي»، عدد خاص عن الثورة الجزائرية، الجذور، التفاصيل، الأبطال، والآفاق التي لم تنغلق، العدد:24، تشرين الثاني، نوفمبر، 2002م، ص:38.

  (2) ينظر:د.عبد الله حمادي:جميلة بوحيرد:الرمز والأسطورة، مقال منشور بيومية«صوت الأحرار»الجزائرية، العدد:2950، الأحد:04نوفمبر2007م، ص:12.

   (3) ينظر:تصدير الأستاذة خليدة تومي؛وزيرة الثقافة الجزائرية، كتاب جميلة بوحيرد، جمع وتقديم:شريبط أحمد شريبط، موفم للنشر، الجزائر، 2011م، ص:05.

(4)تصدير الأستاذة خليدة تومي؛وزيرة الثقافة الجزائرية، ص:06.

(5)المصدر نفسه، ص:11.

(6)المصدر نفسه، ص:13-14.

قسم اللغة العربية-جامعة عنابة-الجزائر