ما بَيْنَ وبَيْنْ.. الحل السياسي في سورية إلى أين؟

أربعاء, 11/29/2017 - 16:12

الدكتور محمد بكر

كان بدهياً أن يؤكد المبعوث الأممي ديمستورا على ضرورة حضور محادثات جنيف والتباحث حول الدستور والانتخابات الرئاسية والتشريعية من دون شروط مسبقة ، وكذلك دعوته المعارضة  لمفاوضات ” جدية” بشكل مباشر مع وفد الحكومة السورية ، فمفرزات الميدان ولغة الحسم التي مالت لصالح محور دمشق وحلفائها خلال الفترة الماضية لا يقبل سوى” الانصياع والانقياد” نحو تلقف مسارات الحل السياسي والمشاركة في صياغته، وحدها منصة الرياض من تمتهن العويل خارج ذلك الإطار على قاعدة ” الانتقال السياسي”، وهو تغريدٌ خارج الوقائع ومولدٌ لإحلال البدائل، كل من واشنطن وموسكو تسعيان لرسم الحل السياسي وتفصيله وفق مقاسات بعينها، حديث ترامب مع ماكرون عبر اتصال هاتفي لجهة أن جنيف هو المنبر الشرعي للحل السياسي في سورية ، في مقابل ” تعظيم” شأن مؤتمر سوتشي ( روسياً) يشي بذلك، تأجيل سوتشي كما أعلنت وسائل إعلام روسية إلى شهر شباط من العام القادم، كان سعياً روسياً واضحاً لتقليل مفاعيل مؤتمر جنيف، وأنه لا بديل عن الصيغ السياسية التي تطرحها موسكو.

مايجعل الحل السياسي في سورية مقيداً وغير مندفع نحو الأمام بوتيرة متسارعة يتعلق في اعتقادنا بثلاثة مواقف رئيسة :

الأول : الموقف الأميركي ومدى جدية النيات في رسم صورة توافقية للمسار السياسي مع موسكو، على قاعدة الاتفاق المبدئي الذي جرى بين ترامب وبوتين على هامش قمة آبيك في فيتنام، والحديث عن التنسيق لإنهاء داعش، وتالياً ومع اقتراب نهاية الأخير، فإن الجدية الأميركية للتنسيق سياسياً مع الروس يغدو عنوان المسار السياسي بامتياز فيما لوصدقت النيات الأميركية.

الثاني : الموقف التركي الذي يجيد ” الحَرد” السياسي ومع كل حَرد جديد، يطلق التركي تصريحات متناقضة، آخرها إغلاق رئيس الوزراء التركي بن علي يدريم كل أبواب السياسة التي فتحها أردوغان على مصراعيها لجهة عدم استبعاد الاتصال بالأسد، بينما ميدانياً فإن ماهية ومآلات العملية العسكرية التي أعلنت أنقرة بدايتها في منطقة عفرين تعد العمود الفقري لأي تحول تركي.

الثالث : الموقف الإسرائيلي وهو الأخطر، لجهة القلق المتنامي حيال أي تواجد عسكري لإيران أو إقامة قاعدة عسكرية شبه دائمة في سورية، من هنا نقرأ ونفهم الرسالة التي بعثها نتنياهو عبر طرف ثالث للأسد (يُعتقد أنه الروسي)  بحسب مانقل التلفزيون الإسرائيلي، لجهة أن ” إسرائيل” ستوجه ضربة عسكرية لسورية إذا ما سمح الأسد بإقامة قواعد عسكرية لإيران، وكذلك ما تحدث حوله التقرير الاستخباراتي الصادر عن مركز مئير عميت التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية، لجهة تلاقي المصالح الإسرائيلية مع داعش عند الحديث عن عدو إيراني مشترك في المنطقة، وكذلك توصيف التقرير بأن داعش يملك قدرات قتالية برغم تفككه، وقادر على الكر والفر لتوجيه ضربات ضد الوجود الإيراني في سورية بحسب تعبير التقرير، مايُعزز نظرية الاستثمار وتهيئة مناخ مواجهة جديد لمرحلة مابعد داعش في سورية.

مابين جنيف وسوتشي تتصارع الإرادات الدولية لتفصيل الحل السياسي في سورية، والمقاسات هي نقطة الخلاف، لكن المؤكد أن مقاسات الميدان هي صاحبة القول الفصل، الذي لاينفع معه التأويل والمراوغة والهزل.

* كاتب صحفي فلسطيني

روستوك – ألمانيا

Dr.mbkr83@gmail.com