بعد تقديم الحريري استقالته من السعودية: كيف انقلبت الصورة من أزمة لبنانية داخلية مفترضة الى ازمة سعودية؟

ثلاثاء, 11/14/2017 - 16:44

عبدالوهاب الشرفي

بات مؤكدا الان ان سعد الحريري في حكم الموقوف في السعودية، وقرار ايقافه قرار محوري ليس بالسهل التنازل عنه حتى مع كل الكلام والمواقف والمطالبات الدولية لتمكينه من العودة الى بلاده ، ولوكان بالامكان تقديم تنازل والسماح للرجل بالعودة الى بلاده لقدم هذا التنازل للرئيس الفرنسي الذي قام بزيارة السعودية شخصيا لهذا الغرض وكان يعتزم العودة بالحريري على طائرته الى بلده لكنه عاد خائبا ولدرجة محاولة صرف الانظار عنها بتسريبات اخبارية انه قدم لمسأئل اخرى كانت احدى هذه التسريبات انه جاء لطلب تمويل لقوات له في افريقيا !!، لكن الحقيقة ان فرنسا برئيسها شخصيا فشلت في اقناع بن سلمان بالسماح للرجل بالعودة لبلاده.

مرة اخرى يتصرف بن سلمان انطلاقا من “دوشة” مصممة له خصيصا سماها ترامب الرئيس الامريكي “استراتيجية” بادرت السعودية والبحرين والامارات لمباركتها واعتمدوها كتوجه امريكي في المنطقة، ورغم كثير تجارب السعودية مع الولايات المتحدة ومع ترامب بصورة اوضح  لم يتعلم بن سلمان، فقد خيبت الولايات المتحدة  السعودية في الملف الايراني وفي الملف السوري وفي مواقف في الملف اليمني وفي الملف العراقي وخيبها ترامب في الملف القطري وها هو يخيبها في الملف اللبناني  وفي “استرتيجية” ترامب هذه لم يتم اكثر من الحديث عن حزب الله بحدة بالغة في فعاليات احياء ذكرى تفجير بيروت في القوات الامريكية.

نعم لترامب استراتيجية للتعامل تجاه ايران و”اذرعها” في المنطقة لكن هذه الاستراتيجية هي استخدام السعودية للاقدام على خطوات سياسية وامنية وعسكرية تكسّر في القانون الدولي وفي المواثيق الدولية وفي الاعراف العالمية ولا تستطيع الولايات المتحدة نفسها ان تقدم عليها بالصورة الفجة التي تدفع اليها المملكة لتفعلها وبعد فعلها يحدد الامريكي موقفه في ضوء التزاماته القانونية لا في ضوء الهيمنة السافرة المنطلقة من فرد العضلات فقط وفقط.

انقلبت الازمة التي كانت تريد السعودية بتخطيط وتنسيق امريكي او ترامبي تحديدا من ازمة بين اللبنانيين الى ازمة بين السعودية ولبنان والسعودية والعديد من الدول من بينها فرنسا، فلم تعد المسألة عند الجميع ما هو الذي سيتبع “استقالة” الحريري في لبنان وانما ما الذي ستفعله السعودية لتجاوز ازمة احتجاز رئيس حكومة.

الامريكي الذي لازال يستخدم بن سلمان من تحت الطاولة وبصورة غير رسمية هوذاته عمل على ان يبيض صفحته رسميا ويصرح بان على الجميع داخليا وخارجيا احترام المؤسسات اللبنانية وحذر الجميع من استخدام لبنان ساحة للصراع.

كان اول من “جازف”  بالحديث عن ان الحريري محتجز هو امين عام حزب الله والمجازفة هي في ان السعودية لو كانت “تفهم سياسة” لسمحت للحريري بالعودة للبنان ووجهت ضربة قوية لمصداقية نصرالله امين عام الحزب المستهدف من كل هذا المجازفات السعودية بدلا من تعزيز مصداقيته كما حدث ، والان باتت الامور مؤكدة فقد المح لها بصورة مباشرة الرئيس الفرنسي بعد فشل زيارته للسعودية ، وباتت رسمية ايضا  فقد تبنتها الاطر الرسمية اللبنانية بشكل صريح ومباشر وبصورة مطالبات للسعودية.

بالنسبة للبنان الرسمي ولبنان الفاعل الجميع حدد موقفه بان الاستقالة جاءات في  ظروف غير طبيعية او قانونية وبالتالي لا محل لها في معادلة السياسة والادارة الداخلية فسعد الحريري هو رئيس الوزراء حتى يعود الى لبنان وحينها يتحدد هل يرغب في الاستقالة ام لا يرغب ، وهذا الامر يترتب عليه انه ما من ازمة في لبنان فالتركيبة السياسية باقية كماهي الرئاسة والحكومة والنواب والمكونات السياسية اللبنانية لا جديدا لديها ، فلا ازمة ولا تعطيل وكلما قد يحتاجه لبنان هو تكليف احد نواب رئيس الحكومة بتسيير مهام رئيس الحكومة لحين “استعادة” لبنان لرئيس حكومتها وقد لايحتاج الامر حتى التكليف فبالامكان ان تسير الامور عبر تشكيلة الوزارة اللبنانية الحالية بنواب الرئيس ووزراء حكومته.

ما سيستجد بالنسبة للبنان هوازمة مع السعودية التي ستضل لبنان تطالبها بالسماح للحريري بالعودة لبلاده ، وكل حديث قبل ذلك لا محل له والمسألة هنا مسألة سيادة مباشرة واحترام الدستور والقانون والنظام والمؤسسات اللبنانية والشعب اللبناني ككل ، فالسعودية الان دولة ” خطافة الرجالة ” على حد توصيف اخوتنا المصريين ولايجب ان تسكت لبنان على خطف رئيس  ” حكومتها ” .

امين عام حزب الله قال في خطاب ثان له انه يتحدث عن معلومات وليس عن تحليل بان السعودية طلبت من الكيان الصهيوني شن حرب على لبنان ، وسياسيا –  اذا صدقت هذه المعلومات –  فذلك يعني عجز السعودية عن ان تضيف شيئ بعد احتجاز الحريري فقد بداءت برنامجها بخطاء فادح تعامل معه اللبنانيون جميعا باقتدار وحنكة سياسية حولت المملكة الى عاجزة ولاسبيل لها الا توهم ان غيرها يمكن ان يغامر مغامراتها ، وبالطبع لغيرها حسابات مختلفة لهكذا مغامرة ، لا شك ان مساندة السعودية او إرضائها او التشارك  العلني معها في تكسير القوانين او المغامرة المطلقة دون حدود ليست ضمن معايير اتخاذ هكذا قرار لغير السعودية .

تاخرت الولايات المتحدة في اعلان موقف تجاه مسألة الحريري وطرحت موقفها بلغة تخلي مسئوليتها لا اكثر وتترك بن سلمان في غيه يعمه في ذات الوقت  ، كذلك فرنسا لم تحدد موقف الا متاخرة ولكن بلغة اكثر مباشرة  من لغة الولايات المتحدة ربما تاثير إعادة رئيسها خائبا هو وراء المباشرة الفرنسية الاكثر ، وفقدت السعودية ” المقود ” وباتت في موقف ضعف تدافع فيه عن خطوتها او بالاصح تحاول انكارها وتغيير الصورة اكثر من التوجه للاقدام على الخطوة المخططة التالية  او-  في ضل الظروف القائمة  – فقدت القدرة على الاقدام بخطوة قادمة اصلا ، وهنا يقوم سؤال ما الذي قلب الامور بهذا الشكل ونقل الازمة المفترضة من الداخل اللبناني الى ازمة سعودية بدرجة اولى؟ .

لا شك ان اهم موقف في اطار إعتمالات استقالة الحريري هو موقف داخلي ربما البعض لم يعره اهتمام اوعلى الاقل نظر اليه كموقف عادي لا محورية له بين كل هذه الاعتمالات، وهذا الموقف هوموقف تيار المستقبل الذي لولا خروجه محسوبا بوطنية وحرص على لبنان لتغيرت كل هذه الاعتمالات ولدارت عجلة الازمة داخل لبنان كما هو مخطط لها .

ما فعله تيار المستقبل الذي يمثل الحريري شخصيته المحورية باعتبار عودة الحريري الى لبنان مسألة ضرورية بالنسبة لاستقالته هو الذي ضيّع الفرصة على السعودية وفرض على الولايات المتحدة ان تنجوا بنفسها – في العلن على الاقل –  وان يأتي الموقف الفرنسي بمستوى رئيس الدولة ، فالبرنامج المخطط للبنان كان مبني على موقف تيار المستقبل الذي كان المخططون يتوقعون ان يمثل لهم ” حامل ” لكل المواقف والخطوات القادمة ولكنه خابهم وجاء كاسرا لظهورهم .

تظل المعادلة السياسية اللبنانية الداخلية هي اكثر المعادلات السياسية الداخلية حساسية في كل الدول العربية ،  وهذا الامر رغم تكلفته السياسية السلبية الكبيرة الا انه افاد لبنان في هذه المرحلة وانقذها  من ازمة كانت ستذهب بلبنان بعيدا ، فالمخطط بنا حساباته على المفارقات الداخلية الحادة وتوقع ان حدث كهذا – استقالة الحريري – سيدفع بتيار المستقبل للتازيم ومن ثم دوران البرنامج المخطط لكنه لم يتنبه – المخطط – لان المسألة متعلقة بلبنان كدولة دستورا وحكومة ونوابا ومؤسسات ومجتمع التي  تفرض على الجميع ان يحدد موقفه من الحفاظ عليها قبل ان يحدد موقفه بما يتناسب مع رؤاه واتجاهاته السياسية من القضايا الوطنية .

يمكن القول ان تيار المستقبل كان بامكانه ان يذهب في  الاتجاه الذي اراده المخطط لوكان الحريري قدم استقالته من على الارض اللبنانية لان القضية هنا هي قضية الرؤية والاتجاه السياسي للمكون السياسي لكن تقديم الاستقاله في ظروف غير طبيعية وماسة بلبنان دولة وسيادة ومؤسسات هو الذي قلب القضية الى قضية لبنان وليس الحريري وليس المستقبل . وهنا فقد المخطط ” حامله ” الاساسي وانقلبت الموازين.

سيستمر الوضع يراوح في مكانه ازمة للسعودية وليس للبنان طالما بقي موقف تيار المستقبل يراوح هو ايضا مكانه ،  والمسألة بالنسبة للمستقبل  امتحان وطنية نجح فيه ويجب ان يستمر هذا النجاح لان التحول لفشل سيبداء معه تدوير العجلة والدفع بلبنان لمنزلق خطير . ويضل موقف المستقبل درس لكل المكونات الوطنية في مختلف الدول العربية بان مواقفها هي التي يعتمد عليها ( بداية )  ثم يلقى بها جانبا ويتم استكمال تدوير عجلات الازمات دون اي حساب لها او لمواقفها او لمصالحها او لصالح اوطانها ، وللمستقبل تحية انه لم يسمح بان يكون موقفه هو ضربة البداية ولو سمح لكانت بالنسبة له هي ضربة البداية والنهاية ايضا وسيستلم ملف لبنان اخرون  ، وتضل مسألة عودة الحريري لبده مرهونة باستمرار موقف المستقبل كما هو فموقفه هو الذي يضيّق على السعودية بدرجة اولى  .

رئيس مركز الرصد الديمقراطي ( اليمن )