"وثائق الجنة": الكشف عن ملاذ لشركة أبل للتهرب الضريبي

جمعة, 11/10/2017 - 14:42

كشفت تسريبات "وثائق الجنة" تورط شركة أبل في اللجوء إلى ملاذ ضريبي سري يمكنها من مواصلة التهرب من دفع ضرائب تقدر بمليارات الدولارات.

وأظهرت الوثائق كيف تمكنت أبل، أكثر الشركات ربحية في العالم، من مواجهة حملة عام 2013 تتعلق بممارساتها الضريبية مثيرة الجدل في أيرلندا من خلال إعدادها دراسة جيدة وفعالة للملاذ الضريبي.

ونقلت الشركة بعدها معظم أموالها الخارجية غير الخاضعة للضرائب، والتي تقدر حاليا بنحو 252 مليار دولار، إلى جزيرة جيرسي في جزر القنال الإنجليزي.

وقالت أبل إن الهيكل الجديد لم يسهم في خفض مدفوعاتها الضريبية.

وأضافت أنها مازالت أكبر شركات العالم تسديدا للضرائب، إذ دفعت نحو 35 مليار دولار ضريبة شركات عن السنوات الثلاث الماضية، وأنها اتبعت القانون وأن ما فعلته من تغيير "لم يسهم في خفض مدفوعاتها الضريبية في أي بلد".

كما أكدت الشركة في بيان جديد على عدم نقل أي معاملات أو استثمارات من أيرلندا.

وأُطلق على هذه التسريبات اسم "وثائق الجنة" وهي تضم حوالي 13.4 مليون وثيقة، معظمها من شركة رائدة في التمويل الخارجي.

واستفادت أبل حتى عام 2014 من ثغرة في قوانين الضرائب في الولايات المتحدة وفي جمهورية أيرلندا تعرف باسم "الأيرلندي المزدوج".

وسمحت هذه الثغرة لشركة أبل بنقل جميع مبيعاتها خارج الأمريكتين، والتي تقدر حاليا بنحو 55 في المئة من إيراداتها، عن طريق شركتين تابعتين لها في أيرلندا غير خاضعتين لجنسية تفاديا للتحصيل الضريبي.

وبدلا من دفع ضريبة شركات أيرلندية بنسبة 12.5 في المئة، أو معدل أمريكي محدد بنسبة 35 في المئة، ساعد هيكل التحايل الضريبي الذي لجأت إليه شركة أبل في خفض معدلها الضريبي على الأرباح المحققة خارج الولايات المتحدة، بحيث نادرا ما تتجاوز مدفوعاتها الضريبة الخارجية نسبة 5 في المئة من أرباحها الخارجية، في حين تراجعت في بعض السنوات إلى أقل من نسبة 2 في المئة.

وحسبت المفوضية الأوروبية معدل الضريبة لإحدى الشركتين التابعتين لأبل في أيرلندا عن فترة عام واحد وبلغت 0.005 في المئة فقط.

وتعرضت أبل لضغوط عام 2013 في مجلس الشيوخ الأمريكي عندما اضطر مديرها التنفيذي تيم كوك إلى الدفاع عن نظامها الضريبي.

وقال له في ذلك الوقت السيناتور كارل ليفين، بدافع الغضب من ضياع مبالغ طائلة من الضرائب من يد الولايات المتحدة :"لقد نقلت مصدرا ذهبيا لتحقيق الثروة إلى أيرلندا. لقد نقلت إليها ثلاث شركات لا تدفع ضرائب في أيرلندا. إنها مجوهرات ترصع تاج شركة أبل، هذا ليس جيدا".

ورد وقتها كوك متحديا :"نحن نسدد جميع الضرائب المستحقة علينا، لا نستبعد منها دولارا واحدا. نحن لا نعتمد على حيل التهرب الضريبي، ولا نخفي أموالا في بعض جزر الكاريبي".

وعندما أعلن الاتحاد الأوروبي عام 2013 أنه يحقق في التنظيمات الأيرلندية لأبل، قررت الحكومة الأيرلندية أن الشركات المدرجة هناك لم تعد على الأرجح شركات عديمة الجنسية فيما يتعلق بالتحصيل الضريبي.

ورغبة منها في الحفاظ على معدل الضرائب المستحقة عليها منخفضا، اضطرت أبل للبحث عن مركز مالي خارجي يخدمها في أن يصبح مقرا ضريبيا لشركتيها التابعتين لها في أيرلندا.

وفي مارس/آذار عام 2014، أرسل مستشارون قانونيون في شركة أبل استبيانا إلى شركة "أبلباي"، وهي شركة محاماة رائدة في القوانين المالية للشركات العاملة في الخارج ومصدرا لمعظم تسريبات "وثائق الجنة".

وسألت أبل عن المزايا القانونية المختلفة التي يمكن أن تستفيد منها في الخارج، وإن كانت جزر فرجين البريطانية وبرمودا وجزر كايمان وموريشيوس وجزيرة مان وجزيرتي جيرسي وغيرنسي يمكنها أن تقدم مزايا تستفيد منها أبل.

كما وجهت وثيقة الشركة أسئلة رئيسية من بينها هل من الممكن "الحصول على ضمان رسمي للإعفاء الضريبي"؟ وهل من الممكن التأكيد على إمكانية ضلوع شركة أيرلندية في "أنشطة إدارية دون الخضوع لضرائب تُستحق عليها في نطاق الاختصاص القضائي".

كما استعلمت الشركة عما إذا كان من المحتمل تغيير الحكومة، وما هو قدر المعلومات الذي يتاح ومدى سهولة الخروج من نطاق الاختصاص القضائي.

وكشفت رسائل بريد إلكتروني مسربة رغبة أبل في الحفاظ على سرية خطواتها.

وتقول رسالة بريد إلكتروني بين شركاء بارزين في شركة "أبلباي" للمحاماة :"بالنسبة لمن لا يدرك منكم، فإن (مسؤولي) أبل لديهم حساسية شديدة فيما يتعلق بالدعاية. وهم يتوقعون أيضا أن ما يجرى من أعمال لا يناقشها إلا الأشخاص المعنيين بالأمر".

واختارت أبل جزيرة جيرسي، التابعة للتاج البريطاني وتتمتع باستقلال من حيث تحديد القوانين الضريبية الخاصة بها، ولا تفرض على الشركات الأجنبية ضريبة شركات.

وأظهرت "وثائق الجنة" امتلاك أبل شركتين أيرلنديتين تابعتين لها، وهما شركة "أبل اوبريشنز انترناشيونال" التي يعتقد أنها وعاء لمعظم ثروة أبل النقدية الهائلة في الخارج وتقدر بنحو 252 مليار دولار، وكذا شركة "أبل سيلز انترناشيونال" التي خضعت لإدارة مكتب تابع لشركة "أبلباي" للمحاماة في جزيرة جيرسي خلال الفترة من 2015 وحتى أوائل 2016.

وساعد ذلك أبل على مواصلة التهرب من دفع ضرائب بمليارات الدولارات في شتى أرجاء العالم.

وأظهرت حسابات أبل عام 2017 أنها حققت أرباحا بقيمة 44.7 مليار دولار خارج الولايات المتحدة ودفعت ضرائب قيمتها 1.65 مليار دولار فقط لحكومات أجنبية، بمعدل نحو 3.7 في المائة.

وتوصلت المفوضية الأوروبية في أغسطس/آب، بعد تحقيقات استمرت ثلاث سنوات، إلى أن أيرلندا تقدم لأبل مزايا ضريبية غير قانونية.

وقالت المفوضية الأوروبية إن أبل يتعين عليها أن تسدد من جديد ضرائب لأيرلندا عن الفترة التي اختصتها التحقيقات، 2003-2013، بإجمالي 13 مليار يورو علاوة على فوائد قيمتها مليار يورو.

وطعنت أيرلندا وأبل على القرار.

ووصف تيم كوك، المدير التنفيذي لأبل، قرار المفوضية الأوروبية بأنه "حماقة سياسية تماما" وأنه "لا يوجد مبرر واقعي أو قانوني لإصداره". في حين قالت أيرلندا إن الاتحاد الأوروبي يتعدى على الضرائب السيادية. وأنها تخشى من عزوف الشركات متعددة الجنسيات عنها والاستثمار في أماكن أخرى.

ووافقت أيرلندا على جمع ضرائب بقيمة 13 مليار يورو، توضع في حساب ضمان يخضع للإدارة لحين البت في حكم الاستئناف.

وقالت المفوضية الأوروبية في أكتوبر/تشرين أول 2017 إنها ستحيل أيرلندا إلى المحكمة نظرا لأنها لم تجمع الأموال بعد. وقالت أيرلندا إن الوضع معقد ويستغرق وقتا.

ارتفاع هائل لإجمالي الناتج المحلي

عندما أُغلقت ثغرة "الأيرلندي المزدوج" الضريبية، وضعت أيرلندا تنظيما ضريبيا جديدا تستفيد منه شركات مثل أبل.

وكان من بين الشركات التي نقلتها أبل إلى جزيرة جيرسي، شركة "إيه إس آي" التي تملك حقوقا للملكية الفكرية ذات القيمة الكبيرة لشركة أبل.

ويبدو أن شركة أبل فعلت ذلك. وسجل إجمالي الناتج المحلي الأيرلندي في عام 2015 زيادة استثنائية بنسبة 25 في المائة، وأرجعت تقارير إعلامية سبب ذلك إلى تحرك أصول الملكية الفكرية إلى أيرلندا. وسجلت الأصول غير الملموسة زيادة بلغت 250 مليار يورو في أيرلندا في هذاالعام.

ونفت وزارة المالية الأيرلندية أن تكون القواعد الجديدة قد وضعت من أجل تحقيق مزايا للشركات متعددة الجنسيات.

ورفضت أبل الإجابة عن أسئلة تتعلق بنقل شركتيها التابعتين للوعاء الضريبي إلى جزيرة جيرسي.

كما رفضت التعقيب على سؤال يتعلق بما إذا كانت إحدى الشركتين ساعدت في تحقيق إعفاء ضريبي هائل عن طريق بيع ملكية فكرية.

وقالت أبل :"عندما غيرت أيرلندا قوانينها الضريبية في عام 2015، التزمنا بتغيير الاختصاص الضريبي لشركتينا الأيرلنديتين التابعتين وأخبرنا أيرلندا والمفوضية الأوروبية والولايات المتحدة".

وأضافت أبل :"ما فعلناها من تغيير لم يسهم في خفض مدفوعاتنا الضريبية في أي بلد. بل في الواقع زادت مدفوعاتنا في أيرلندا على نحو كبير، ودفعنا ضرائب خلال السنوات الثلاث الماضية بلغت 1.5 مليار دولار هناك".