«الجزيرة» تستبعد الشتم والتعريض في حربها الباردة مع القنوات المصرية.. وكريشان يلقن مذيعة «سي بي سي» درسا في الحوار الطاهر الطويل

جمعة, 10/27/2017 - 18:24

لم يعتد جمهور قناة «الجزيرة» مشاهدة الزميل محمد كريشان ضيفا على أحد برامجها، فقد ألفه مذيعا مقتدرا ومحاورا جيدا للعديد من الشخصيات السياسية والفكرية وغيرها. ولكن برنامج «سباق الأخبار» استطاع استدراجه لمناقشة قضية الساعة في الإعلام المصري، فاستطاب كريشان هذا الاستدراج، حيث قال مبتسما في نهاية الحوار مع معد البرنامج: «أريح لي أن أكون ضيفا في برنامج من أن أكون مذيعا».
ومن جديد، يثبت كريشان كفاءته المهنية الواسعة، من خلال استحضار مبادئ أساسية في الحوار الإعلامي، وذلك تعليقا على واقعة الشنآن الذي حدث بين مذيعة مصرية وضيفها الباحث في التاريخ، وهو ما تسبب في إيقاف المذيعة وإحالتها على التحقيق لمخالفتها السلوك المهني. 
يتعلق الأمر بمذيعة قناة «سي بي سي» مروج إبراهيم التي عمدت إلى وقف نقاشها مع الدكتور عاصم الدسوقي (أستاذ التاريخ) خلال نقاش حول موضوع «من كتب تاريخ مصر وكيف يكتب التاريخ وما الفرق بين الباحث والمؤرخ؟»، بعد احتجاجها على قيام الضيف بتقييم أسئلتها وإصراره على قول ما يريد قوله.
استغلت «الجزيرة» هذه الواقعة لتلقين بعض القنوات المصرية دروسا في الإعلام ومبادئه وأخلاقياته، وذلك في سياق حربها الباردة مع تحالف دول الحصار المفروض على قطر. والواقع أن «الجزيرة» أثبتت تفوقها في هذا المجال، بخلاف أسلوب السباب الوضيع والسخرية الفجة والشتائم المتلاحقة التي تلجأ إليها مجموعة من الفضائيات المصرية ولاسيما الخاصة.
استحضر محمد كريشان قاعدة أساسية في الحوار التلفزيوني تتمثل في أن المذيع يكون هو الملام بغض النظر عن التفاصيل والحيثيات، لأنه هو سيد الجلسة وهو من يدير الحوار ومسؤول عن حسن سيره. ولاحظ مذيع الجزيرة ـ تعليقا على واقعة تلفزيون «سي بي سي» ـ أن الخلل يكمن في الدردشة التي تسبق اللقاء، لأن المذيع يسأل ما يريد، والضيف يجيب كما يريد، فالمذيع لا يحضر استجوابا في المخابرات العسكرية أو في أقبية وزارة الداخلية، بل مهمته أن يطرح السؤال كما يريد، ومن حق الضيف أن يجيب كما يريد، هو أيضا. لكن، أحيانا عندما يدخل المذيع مع ضيفه في التفاصيل قد يربك ذلك اللقاء. في الحوار العلمي الأكاديمي يفترض أنه لا داعي لهذا التوتر الذي قد يكون في الحوارات السياسية. ومن الضروري أن يكون المذيع قادرا على تجاوز الإشكال الذي يثيره الضيف. ومثلما يفترض في الضيف أن يلتزم بأخلاقيات معينة، من المطلوب في المذيع أن يلتزم بأخلاقيات المهنة. 
ومثلما لاحظ زميلنا كريشان، فالمذيعة مروج إبراهيم تركت المجال لانفعالها أن يتطور. صحيح أنها قالت أشياء كثيرة معقولة، إذ ليس من الضروري أن يكون المذيع موسوعيا وملما بكل شيء، ولكن الملاحقة والكثافة في حديثها خنقت الضيف الذي كان من الضروري كذلك مراعاة سنه ومكانته.
ووضع الرجل أصبعه على لب الخلل الرئيسي الذي وقع في البرنامج وأوقع فريق إعداد الحلقة والمذيعة في إحراج، بالقول إنهم يريدون أن يحوموا حول الموضوع دون التطرق إلى لبه. فالقضية الحقيقية هي قضية تصريحات مثيرة للجدل للدكتور يوسف زيدان حول تاريخ مصر. أن تحوم حول الموضوع دون أن تذكره هو المشكل. فإما أن تعالج الموضوع مباشرة وتذكر الأسماء، وهو ما أراده الضيف، وإما أن تحوم حوله، وهو ما رفضه هذا الأخير. فكانت المهزلة الكبرى!
وسارعت المذيعة المذكورة إلى نشر توضيح عبر حسابها في شبكة التواصل الاجتماعي، حيث كتبت ما يلي: «بشأن ما حدث في حلقة البرنامج مع الدكتور عاصم الدسوقى ، أود أن أوضح مجموعة من النقاط التى من شأنها وضع الأمور فى نصابها السليم وهي:
- تقديم كامل التحية والتقدير له.
- تقديم الاعتذار إن كان النقاش قد تجاوز الحدود مهنياً أو أدبياً مع التأكيد أن ذلك بسبب قوة وثراء الحوار مع شخصية مثله وليس لأى سبب أخر.
- التأكيد على الاحترام الكامل لكل الضيوف والسعي بل والحرص دائماً على الالتزام بالقواعد المهنية وإن كان ما حدث قد تجاوز ذلك فهو عن غير عمد وله ظروفه الواردة في سياق الحلقة.
- تقديم كامل الاحترام والتقدير لإدارة قناة «سي بي سي».
- توضيح أن كل ما ورد في الحلقة أتحمل مسؤوليته كاملا وحدي دون أدنى مسؤولية من إي من فريق العمل أو الزملاء في المحطة».

فنانون في دائرة الإهمال

يرسم جمهور التلفزيون والسينما صورا مثالية عن الممثلين/ النجوم، انطلاقا من القدرات العالية التي يبرزونها في تقمّص الأدوار المختلفة، وكذلك انطلاقا من حضورهم المستمر على الشاشة الصغيرة أو الكبيرة. ومن ثم، فالبلدان التي تحترم الإبداع توفّر للنجوم وضعا اعتباريا وماديا يضمن لهم كرامتهم، ويُبعد أيّة خدوش يمكن أن تلحق بتلك الصورة المثالية التي ترتسم في مخيّلة الجمهور.
أما في المغرب، فهناك مفارقة كبرى تطرح نفسها في هذا المجال: بقدر تُسلَّـط الأضواء الكاشفة على النجوم في الأعمال الدرامية وفي المهرجانات الفنية والريبورتاجات التلفزيونية، فيتخيلهم البعض يرفلون في بحبوحة العيش، بقدر ما يكشف واقع الحال عن خلاف ذلك تمامًا بالنسبة للعديد من الممثلين والممثلات (وليس كلهم طبعا)، فكثير منهم يعاني شظف الحياة، ولكنه قلّما يجهر بذلك تعففا أو كبرياء، إلاّ حين يطفح الكيل، حينها يظهر الوضع المرير الذي يحياه هذا الفنان أو ذاك، في غياب رعاية اجتماعية وضمان صحي وتكفل مادي من لدن الدولة.
وشاهدنا في الآونة الأخيرة حالات مأساوية لفنانين أطلقوا شكاواهم بالصوت والصورة عبر بعض المواقع الإلكترونية، بعدما بلغ السيل الزبى، حيث كشفوا أنها يعانون الفقر والمرض والإهمال، إلى درجة التفكير في الخروج للتسول واستجداء الصدقات من أجل الظفر بلقمة العيش، بعدما هجرهم المخرجون والمنتجون، ولم يعودوا يدعونهم للمشاركة في أعمالهم الدرامية. إنهم يتساءلون بحرقة: هل لأننا كبرنا في السن لم نعد نصلح للمسلسلات والأفلام؟ حالات تنطبق على ممثلات وممثلين عديدين، يتألمون في صمت وفي ظل جحود ونكران للجميل من طرف المؤسسات المعنية، إذ لا أحد تقريبا يسأل عنهم، وإنْ تحالف عليهم العدوّان: الفقر والمرض، حتى إذا رحلوا عن دنيانا الفانية، صار الكثيرون يندبونهم ويرثونهم ويعدّدون خصالهم وعطاءاتهم، وتخصّص لهم التلفزيونات ريبورتاجات وبرامج عديدة! رغم أن كل ذلك لا ينفع في شيء، بعدما أصبح المعني بالأمر في خبر كان.

كاتب من المغرب